حسب التقديرات الأولية للهيئة العامة للإحصاء، فإن ناتجنا المحلي الإجمالي الحقيقي قد نما خلال الربع الأول من هذا العام بنسبة 1.3 %. ولكن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي انكمش بنسبة 1.8 % مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي وهذا المؤشر هو الذي يعتمد عليه في مقارنة معدلات نمو الاقتصاد في مختلف بلدان العالم. ولذلك سوف يتم التوقف عنده، خصوصاً وأنه يأتي بعد انخفاضين متتاليين في الربع الثالث والرابع من العام الماضي، مما أدى إلى انكماش الاقتصاد العام الماضي 2023 بنسبة 0.9 %.
وعلى ما يبدو، فإن هناك عاملين رئيسين يشرحان السبب: الأول هو معدلات النمو المرتفعة التي حققها اقتصادنا عام 2022 والتي سجلت 8.7 %، وهي أسرع وتيرة حققناها خلال 11 عاماً، والأعلى بين مجموعة العشرين التي نحن من أعضائها، والتي تضم بلداناً ينمو اقتصادها بوتائر عالية جداً كالهند والصين.
ولذلك، لم يتمكن الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي من المحافظة على نفس وتائر نمو عام 2022، نتيجة تراجع العائدات النفطية بنسبة 10.6 %. فالقطاعات غير النفطية التي نمت عام 2023 بنسبة 2.8 %، لم تتمكن من التعويض عن الانخفاض الكبير الذي طرأ على العائدات النفطية، وهذا أمر مفهوم، فالعائدات الأخيرة تحرك الإنفاق الحكومي وتشكل دائماً عامل محفز لنشاط بقية قطاعات الاقتصاد، جراء تأثير المضاعف multiplier effect.
وعلى أي حال، فإن نمو القطاعات غير النفطية العام الماضي، وإن بنسبة 2.8 % -في ظل تراجع العائدات النفطية- هي ظاهرة جديدة لم يتعودها اقتصادنا. فقد جرت العادة، فيما مضى، أن تتراجع الأنشطة غير النفطية مع تراجع عائدات النفط، نتيجة الترابط الشديد بين النشاطين من خلال عمل المضاعف. ولكن ومثلما نرى فإن هذا الترابط يخف شيئاً فشيئاً، وهذا يعكس الإنجازات التي حققتها رؤية 2030. فمن الواضح أن اقتصادنا يقلل تدريجياً اعتماده على النفط.
ويجب التأكيد هنا على أن موقع النفط في اقتصادنا سوف يبقى كبيراً، طالما بقي النفط أحد مصادر الطاقة الرئيسة في العالم. فالعائدات النفطية سوف تستمر في لعب دور لا يستهان به في تكوين رأس المال الإجمالي الثابت والناتج المحلي الإجمالي. فالأمر المهم، ليس الاستغناء عن النفط وإنما تقليل تأثيره على الاقتصاد. فالمملكة منذ خطة التنمية الأولى وهي تطرح تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. وهذا ما نراه يتحقق لأول مرة، وإن بشكل تدريجي.
ولذلك، فإن الأعوام المتبقية، حتى عام 2030 سوف تشهد بالتأكيد مزيداً من الإنجازات الاقتصادية، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي والسياحة والصناعة والزراعة. الأمر الذي سوف يقلص الاعتماد على النفط، ويزيد من مساهمة أصحاب الأعمال وبقية القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي. فهذا من شأنه أن يخلق دورة اقتصادية مختلفة عن الدورات التي عرفناها في السابق- عندما كان انخفاض أسعار النفط يؤدي إلى تراجع كبير في نشاط بقية قطاعات الاقتصاد، وإلى نشوء الأزمات التي شهدناها، والتي كانت آخرها أزمة عام 2020- والتي لا يزال اقتصادنا يعاني من آثارها حتى الآن.
التعليقات