إذا لم تشهد السوق التأثير الكامل لخفض الإنتاج الطوعي للمملكة العربية السعودية خلال الشهر الحالي، فإن ذلك سيقودها إلى وضع أكثر تشددًا مما سبق في الربع الرابع، حيث أصبح من المؤكد ألا يتجاوز العرض للطلب، حتى ولو بقيت مستويات التصدير منخفضة أكثر مما كانت عليه في أغسطس، مما قد يدفع بالأسعار إلى عتبة 100 دولار للبرميل. فإنه من الخطأ أن يعتقد المتداولون في أسواق النفط بأن السعودية قد وصلت إلى طريق مسدود بعدم تمديد الخفض الطوعي في عام 2024 أو أنها لن تعمق الخفض في الفترة الحالية. إن إدارة أوبك + بقيادة السعودية لأسواق النفط يهدف إلى توازنها واستدامة إمداداتها، لهذا شهدت أسواق النفط العالمية حالة من الاستقرار في نطاق ضيق نسبيًا خلال النصف الاول، رغم المؤشرات الاقتصادية السلبية في الولايات المتحدة والصين وأوروبا ومواصلة الفدرالي رفع أسعار الفائدة، والذي انعكس سلبا على نمو الطلب العالمي على النفط.

لهذا واصلت السعودية تمديد خفض الإنتاج الطوعي بمليون برميل يوميا وروسيا بمقدار 300 ألف برميل يوميا إلى نهاية عام 2023، من أجل تحقيق التوازن في أسواق النفط في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وانتهاء فترة السفر الصيفية التي يتراجع بعدها الطلب على وقود الطائرات، وكذلك قرب بدء المصافي الأمريكية والصينية عمليات الصيانة التي قد تمتد على مدى شهرين. إن قرار المملكة لم يأت من فراغ بل إنه استقراء للحاضر وتنبؤ بما سيحدث في أسواق النفط مستقبلا وما قد تتعرض إليه من تقلبات وتحولات من حالة ارتفاع الأسعار الفورية (Backwardation) أو المتقدمة إلى أسعار أعلى في العقود المستقبلية المتأخرة ((Contango، ليكون ذلك على حساب استمرار الإمدادات النفطية وزيادة الاستثمارات التي توفر المزيد من الطاقة الإنتاجية الفائضة وأمن الطاقة لمواجهة التحديات وعدم اليقين.

وفور إعلان السعودية تمديد الخفض الطوعي يوم الثلاثاء الماضي والذي فاجأ المتداولين، قفز برنت إلى مستوى 90 دولارا وغرب تكساس إلى 88 دولارا، في حين ارتفع برنت 2.4% أو 2.1 دولار إلى 90.65 دولارا وغرب تكساس 2.3% أو 1.96 دولارا إلى 87.51 دولارا على المستوى الأسبوعي. كما دعم انخفاض المخزونات التجارية الأمريكية 6.3 ملايين برميل في الأسبوع المنتهي في 1 سبتمبر، رغم أنه أقل 41% من مستوى المخزون في الأسبوع الذي سبقة، وكذلك تراجع مخزون البنزين بمقدار 2.7 مليون برميل مقارنة مع 200 ألف برميل في الأسبوع الذي سبقه. بينما استمر إنتاج النفط عند 12.8 مليون برميل يوميا دون تغيير للأسبوع الثاني، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

إن مخاطر الطلب على النفط المحتملة في الربع الأخير من هذا العام، مازالت قائمة نحو المزيد من التباطؤ، فقد يتجه الاقتصاد الأمريكي إلى ركود معتدل، في حين يمكن أن تظهر الصين أيضًا ضعفًا في المستقبل، بينما بعض البلدان الأوروبية تعاني فعلا من الركود، مع مواصلة الفدرالي لرفع أسعار الفائدة. فلا شك أن تمديد السعودية وروسيا خفض العرض حتى ديسمبر 2023 واحتمالية تعميق الخفض الطوعي لو دعت الحاجة لذلك، سيزيد السحب من المخزونات العالمية لتلبية طلب المستهلكين ويقود إلى توازن أسواق النفط. لكن ما إذا كان هذا الدعم سيترجم إلى أسعار مستقرة أو أعلى سيعتمد على بيانات الاقتصاد الكلي العالمي التي تشهد نوعا من الانفصال بينها وبين الطلب على النفط، مما يترك المستهلكين في مواجهة نموذج سوق جديد.