التنمية المُستدامة هدف رئيس تسعى لتحقيقه الدول المُتطلعة للتميز الدولي والريادة العالمية. وهذا التطلع الذي وضعته هذه الدول هدفاً استراتيجياً واجب التنفيذ بُني في أساسه على معايير صلبة وعناصر دائمة ديمومة نسبية تتمثل في قوة الاستقرار السياسي، ومتانة الاقتصاد الوطني، ووحدة الصف الاجتماعي، ومستوى التطور التقني والتكنولوجي، وكفاءة الموارد البشرية، والمعرفة الدقيقة والعميقة بالمقدرات الكامنة التي تملكها الدولة على امتداد تاريخها ومساحتها الجغرافية. فإذا توفرت هذه المعايير الصلبة في أية مجتمع ودولة، فإن فُرص تحقيقها للتنمية المُستدامة تتصاعد تصاعداً كبيراً، إلا أنها لن تحقق تلك التنمية المُستدامة إذا افتقد ذلك المجتمع أو تلك الدولة القيادة السياسية الحقيقية القادرة على وضع الاستراتيجيات الصحيحة واختيار العناصر البشرية القادرة على تنفيذ تلك الاستراتيجيات بكل احترافية ومهارة وإتقان. نعم، إن وجود القيادة السياسية البنَّاءة والفاعلة والحكيمة عاملاً رئيساً من عوامل تحقيق التنمية المُستدامة في أية مجتمع من المجتمعات بما تملك من رؤية نحو مجتمعها، وبما تملك من عقلانية وبعد نظر يمكنها من توظيف القدرات الكامنة في مجتمعها بالطريقة الصحيحة والأسلوب الأمثل. نعم، إن وجود القيادة السياسية البناءة عاملاً رئيساً لاستثمار الموارد الكامنة في المجتمع الاستثمار الأمثل، ولتوظيف القدرات البشرية التوظيف الأمثل، ولرسم الخطط والاستراتيجيات الوطنية بما يتناسب والمصالح العليا للمجتمع والدولة. وعنصر القيادة السياسية البنَّاءة هذا هو الذي جعل من بعض المجتمعات متقدمة ومتطورة، وبعضها الآخر متأخرة ومتخلفة؛ وهو الذي جعل من بعض الدول مستقرة وآمنة ومنتجة، وبعضها الآخر تعاني من الصراعات والنزاعات المدمرة وانعدام الإنتاج؛ وذلك على الرغم من امتلاك تلك المجتمعات جميعها للمعايير الصَّلبة والعناصر الدائمة ديمومة نسبية.

وانطلاقاً من هذه المعادلة السياسية المُركبة القائلة إن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب قيادة سياسية بنَّاءة وحكيمة وعقلانية تملك رؤية واضحة تجاه مستقبل مجتمعها ودولتها، وقادرة على استثمار وتوظيف قدراتها الوطنية الكامنة على امتداد تاريخها ومساحتها الجغرافية، فإننا نستطيع الاستدلال وضرب الأمثال بصحة ومنطقية هذه المعادلة السياسية المُركبة بالقيادة السياسية الحكيمة في المملكة العربية السعودية التي وضعت هدفاً رئيساً أمامها والمتمثل بالوصول بالمملكة لأعلى درجات التميز الدولي وتحقيق الريادة العالمية. وليتحقق هذا الهدف السامي، اعتمدت القيادة السياسية الرشيدة "رؤية السعودية 2030" لتوضح بدقة وعمق وإتقان الخطط الاستراتيجية الموضوعة - ببرامجها المتنوعة - الهادفة لتحقيق التنمية المستدامة المُوصلة للتميز الدولي والريادة العالمية. وإذا آمنا يقيناً بحكمة وعقلانية القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية عند اعتمادها لـ"رؤية السعودية 2030"، فإن هذا الإيمان اليقيني بحكمة وعقلانية القيادة السياسية يتصاعد تصاعداً كبيراً عندما نجد بأن برامج هذه الرؤية لم تقتصر بنظرتها على المجتمع المحلي، أو على الداخل السعودي، وإنما شملت بنظرتها وبعد نظرها المجتمع الإقليمي والدولي والعالمي إيماناً بمدى ترابط أطراف المجتمع الدولي، وإيماناً بمدى تداخل المصالح المُشتركة بين المُجتمعات والدول بِغض النَّظر عن قربها وبعدها الجغرافي عن المملكة العربية السعودية أو عن بعضها البعض.

نعم، إننا عندما ننظر لبرامج "رؤية السعودية 2030" نجد إدراكاً عظيماً لمكانة المملكة العربية السعودية على المستويات الدولية، ونجد إيماناً عظيماً بأهمية تحقيق المصالح العليا للمجتمع والدولة بتعزيز العلاقات مع جميع أطراف المجتمع الدولي، مما جعل أهدافها المحلية تتكامل مع أهدافها الدولية، ومما جعل تحقيق مصالحها الداخلية تتوافق مع تحقيق مصالحها الإقليمية والدولية، ومما جعل استراتيجيتها لتحقيق التنمية المُستدامة داخلياً تؤثر وتتواجد بالخطط الاستراتيجية الدولية الهادفة لتحقيق التنمية المُستدامة على المستويات الإقليمية والدولية. نعم، إن برامج "رؤية السعودية 2030" بطبيعتها برامج محلية وأهدافها داخلية، إلا أن دقتها وعمقها وسُمو أهدافها مكنتها من أن تُصبح متوافقة إلى حد التطابق مع أهداف التنمية المستدامة التي يتطلع لها المجتمع الدولي مما يساهم بتعزيز وحدة المصالح بين المملكة العربية السعودية وأطراف المجتمع الدولي. وإذا أردنا أن نستدل على ذلك، فإننا نستطيع الاستدلال بما تضمنه "برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية" من أهداف ونقارنها مع ما تضمنه "مشروع الممر الاقتصادي" الذي أشار له سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - خلال مشاركته في اجتماع الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا المنعقد في مدينة نيودلهي بجمهورية الهند الذي بثته مختلف وسائل الإعلام العالمية ومنها واس في 9 سبتمبر 2023م.

نعم، لقد تضمن "برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية"، بحسب الموقع الرسمي لـ"رؤية السعودية 2030" الآتي: "انطلقت رحلة السعودية نحو المستقبل، لتصبح قوة صناعية رائدة، ومركزًا لوجستيًّا عالميًّا، بعدما وضع (البرنامج) خطة طموحة تعتمد على مكامن القوة التي تتمتع بها المملكة.

استثمر البرنامج الموقع الاستراتيجي الفريد للمملكة، حيث تربط بين ثلاث قارات، وتعدّ مركزًا تجاريًّا عالميًّا، تكتنز بالموارد الطبيعية، من التعدين والطاقة، وتمتلك كل المؤهلات التي تجعلها مركزًا صناعيًّا ورائدًا لوجستيًّا. يسهم البرنامج في تطوير قطاعات عالية النمو محليًا، ودعم الاقتصاد المفتوح، الذي يرحب بضخ الاستثمارات الأجنبية. تدخل المملكة حقبة خضراء جديدة في تاريخها، ورغم أنها تعد المزود الأول للعالم بالنفط، إلا أنها تستثمر بوفرة في الطاقة المتجددة، وعلى رأسها طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وفي إطار ذلك يحفز البرنامج على نشر الطاقة النظيفة وتقليل انبعاث الكربون، والوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2060، بالإضافة إلى إطلاق العديد من مشاريع الطاقة المتجددة التي ترسم مستقبلًا أفضل للأجيال القادمة. ... وضمن الجهود التي تبذلها الدولة لدعم البنية التحتية الصناعية الرائدة في المملكة، عملت الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي تم إطلاقها حديثًا على تأمين سلاسل التوريد العالمية، وتصدير منتجات عالية التقنية إلى العالم...". وإذا نظرنا إلى بعض مما ورد في خطاب سمو ولي العهد في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي 2023م - المُشار إليه أعلاه - نجد الآتي: "يسعدني اليوم أن نجتمع بهذا البلد الصديق لتوقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وذلك تتويجاً لما عملنا عليه سوياً خلال الأشهر الماضية لبلورة الأسس التي بنيت عليها هذه المذكرة بما يحقق المصالح المشتركة لدولنا من خلال تعزيز الترابط الاقتصادي، وما ينعكس إيجاباً على شركائنا في الدول الأخرى والاقتصاد العالمي بصورة عامة. وسوف يسهم هذا المشروع في تطوير وتأهيل البنى التحتية التي تشمل السكك الحديدية وربط الموانئ وزيادة مرور السلع والخدمات لتعزيز التبادل التجاري بين الأطراف المعنية. ومد خطوط الأنابيب لتصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين لتعزيز أمن إمدادات الطاقة العالمي، بالإضافة إلى كابلات نقل البيانات من خلال شبكة عابرة للحدود ذات كفاءة وموثوقية عالية. كما تدعم هذه المذكرة جهود تطوير الطاقة النَّظيفة، وسيساهم تنفيذها في توليد فرص عمل جديدة ونوعية ومكاسب طويلة الأمد على امتداد ممرات العبور لجميع الأطراف. ... (و) لا يفوتني في هذه المناسبة أن أنوه بمبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار التي أطلقها فخامة الرئيس بايدن والتي تشترك فيها المملكة العربية السعودية بعشرين مليار دولار، متطلعين لأن يتم إيجاد فرص التكامل بين هذه المبادرات ومشروع الممر الاقتصادي الذي يعلن عنه في اجتماعنا هذا".

وفي الختام من الأهمية القول: إن "رؤية السعودية 2030" أثبتت سمو أهدافها وغاياتها البنَّاءة عندما تواجدت ضمنياً بالمشروعات الاقتصادية الدولية القائمة والمستقبلية، وأثبتت قوة برامجها التنموية والتطويرية عندما حضرت ضمنياً بالمناسبات العالمية من خلال الخطابات الرسمية لكبار القادة في المجتمع الدولي. نعم، إن تكامل الأهداف بين "رؤية السعودية 2030" و"الممر الاقتصادي الدولي" سيساهم مساهمة رئيسة في تحقيق التنمية الشاملة والمُستدامة التي تسعى لتحقيقها المملكة العربية السعودية حتى تصل لأعلى درجات التميز الدولي والريادة العالمية في معظم، إن لم يكن في كل، المجالات.