«قرارات طويلة المدى لمستقبل أكثر إشراقاً» تحت هذا الشعار، بدأ، يوم الأحد الماضي، حزب المحافظين مؤتمره السنوي، بمدينة مانشستر. ما يميّز المؤتمر الحالي أنَّه أول مؤتمر يحضره السيد ريشي سوناك، بصفته زعيماً للحزب ورئيساً للحكومة. وإذا سارت الأمور على النحو الحالي، هناك احتمال بأن يكون آخر مؤتمر يحضره بالصفة نفسها. السيد سوناك سوف يجد أمامه في قاعة المؤتمر حزباً منقسماً، وصرّة كبيرة من المشاكل والأزمات. وعلى ما يبدو، ليس بمستطاعه، حالياً على الأقل، فعل شيء، إلا إذا كان بمقدوره أن يبيع الريح للمراكب!

«القرارات طويلة المدى لأجل مستقبل أكثر إشراقاً» يبدو شعاراً جذّاباً، ولا غبار عليه، سوى أن الأزمات التي تمر بها بريطانيا منذ عام 2016، أي منذ الاستفتاء على «بريكست»، لا تحتاج إلى قرارات طويلة المدى، بل في أشدّ الحاجة إلى قرارات عملية براغماتية تنجح في قلب المعادلة الانتخابية الحالية التي، وفقاً لاستقراءات الرأي العام، تسير في غير صالح حزب المحافظين، وضد السيد سوناك شخصياً وطموحه في البقاء، هذا أولاً.

وثانياً، أن الأزمات والمشاكل التي تعاني منها بريطانيا، هي، في الحقيقة، من صنع المحافظين أنفسهم، ولا توجد شمّاعة يمكن تعليق الأسباب عليها. 13 سنة متتابعة من الحكم، و5 رؤساء حكومات في فترة زمنية لا تزيد على 8 سنوات، و7 وزراء خزانة، و6 وزراء للداخلية. ورغم أن السيد سوناك نجح في إيجاد حلول لكثير من المشاكل، خاصة المتعلق منها بالأزمة الاقتصادية التي سببتها حكومة السيدة ليز تراس، خلال الأسابيع السبعة التي أقامت فيها في «10 داونينغ ستريت»، وتمكنه من حل إشكالية شمال آيرلندا بالاتفاق مع بروكسل، إلا أن الحزب حقيقة في حاجة ماسّة إلى زعيم سياسي، برؤية واضحة، قادر على توحيد الحزب وراءه، وليس إلى مدير تكنوقراطي مكلف بحلّ ما يستجد من مشاكل يوماً بعد آخر.

ومن الممكن القول، إن حزب المحافظين قبل «بريكست» عام 2016، يختلف عن حزب المحافظين بعد «بريكست» عام 2016. وهذه، في رأيي، الأسباب:

1- حزب المحافظين المعروف تاريخياً ببراغماتيته العملية، يبدو وكأنه اختفى متلاشياً، ومكانه حلّ حزب آخر، آيديولوجي ودوغمائي، متصلب. ورغم أن «بريكست» فشل في تحقيق الوعود، وأخفق في تغيير الأوضاع إلى الأفضل، كما وعد أنصاره، فإن لا أحد من المحافظين جرؤ على الاعتراف بذلك الفشل علناً، خاصة من الجناح الدوغمائي المناوئ لأوروبا.

2- سيطرة الجناح الآيديولوجي الدوغمائي على الحزب بعد «بريكست»، جعلته يتبنى سياسة قائمة على الإقصاء، الأمر الذي يذّكر، مع الفارق طبعاً، بما كان يحدث في الاتحاد السوفياتي سابقاً، خلال حقبة حكم الرفيق جوزيف ستالين. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قام رئيس الحكومة الأسبق بوريس جونسون بإقصاء كل النوّاب المحافظين المناوئين للخروج من الاتحاد الأوروبي من المناصب الوزارية، وعن مواقع المسؤولية في الحزب، رغم أن أغلبهم من المخضرمين.

3- هناك تطابق غير مسبوق بما حدث في أميركا، وتحديداً في التغير الذي لحق بالحزب الجمهوري الأميركي منذ عام 2016، أي في مرحلة حكم الرئيس السابق دونالد ترمب، وما حدث في حزب المحافظين البريطاني في الفترة الزمنية نفسها وما تلاها. والمقصود بذلك انقسام الحزب الجمهوري الأميركي على نفسه، بين أغلبية تؤيد الشعبوية التي جاء بها ترمب، وميّزت فترة حكمه، وبين القيادات الجمهورية التقليدية الحريصة على عدم التنازل عن المبادئ التي عُرف واشتهر بها الحزب. الأمر نفسه يقال عن حزب المحافظين. حيث تمكنت الأقلية الشعبوية الدوغمائية في حزب المحافظين من قلب الموازين والسيطرة على مقاليد الأمور، تحت قيادة بوريس جونسون، ورغم خروجه من الحكم، ما زالت متنمّرة.

4- لم يعد حزب المحافظين كالسابق، فيما يتعلق بالكفاءة الاقتصادية. فالحزب اشتهر تاريخياً بكونه أكفأ من حزب العمال في إدارة الاقتصاد، وزيادة النمو، وتخفيض الضرائب، والتأكيد على أن الحكومة لا تملك أموالاً، وأن الأموال تخصُّ دافع الضرائب، وبالتالي الحرص على إنفاقها في الأوجه الصحيحة. الإحصاءات الاقتصادية تتحدث عن نفسها، ولا تترك المجال للتعليق. فالضرائب على الشركات بلغت درجة لم تصلها منذ 70 عاماً وأزيد. والنمو الاقتصادي شديد البطء، وما زال مؤشر نسبة التضخم مؤرقاً، وأكبر من نسبته في أميركا وأوروبا. إلى جانب ارتفاع أسعار المحروقات والسلع الغذائية، وارتفاع سعر نسبة الفائدة المصرفية.