على قدم وساق يجري الاستعداد بكل همة ونشاط لاستضافة الحدث الأبرز عالمياً هذا العام في الإمارات قمة المناخ (كوب 28)، حيث لم يعد يفصلنا عن انطلاق أعمالها في العشرين من نوفمبر 2023 إلا أيام قليلة، ولا تكاد مؤسسة إماراتية أو جهة، إلا وتقوم بدور مميز من أجل إخراج الحدث بما يليق بأهميته وخطورته وقيمة الإمارات والآمال الكبيرة التي يعولها عليها المجتمع الدولي بمنظماته وشعوبه، وهذا بالتحديد ما عبر عنه بوضوح السيد جون كيري المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لشؤون المناخ حين قال: «الكثير من الأفراد يقومون بعمل دؤوب، بهدف العمل على نجاح مؤتمر الأطراف كوب 28 في تقديم النتائج والمخرجات المنشودة، وتحقيق نقلة نوعية إيجابية في العمل المناخي».
ومن هذا المنطلق لفت انتباهي الجلسة الافتراضية التي نظمتها الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية مؤخراً، تحت عنوان (آفاق واعدة ومستقبل مستدام)، والتي تابعها أكثر من 300 موظف ومنتسب من داخل الدولة وخارجها، وخلالها أطلعت ضحى الملا- رئيسة قسم الشؤون المحلية للتغير المناخي بوزارة التغير المناخي والبيئة - المتابعين على مسيرة الدولة نحو الاستدامة البيئية والمناخية، مع التركيز على قرار القيادة بجعل عام 2023 عاماً للاستدامة والحرص على تحقيقها في كافة مجالات الحياة وقطاعات العمل.
وبحكم اهتمامي الشخصي بهذا الملف وانشغالي الكبير بتطوراته، حرصت على متابعة الجلسة، حيث تيقنت من جاهزية الدولة في أعلى مستوياتها القيادية واهتمامها الكبير بهذا الملف واتخاذ كافة التدابير اللازمة لمعالجته بخطط واستراتيجيات متنوعة وفي مقدمتها استراتيجيتها للطاقة واستراتيجيتها للاقتصاد الدائري ومشاريع الطاقة المتجددة.
لا يمكننا بطبيعة الحال أن نوقف نظام الطاقة الذي نتعامل به اليوم، لكننا انطلقنا مبكراً في التخطيط للمستقبل، فضلاً عن توسع الإمارات في إقامة المحميات الطبيعية التي تستهدف حماية العديد من الكائنات البحرية والأشجار والطيور من الانقراض، مع إصدار القرارات الصارمة بشأن تحريم المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد نظراً لما تنطوي عليه من مضار صحية كبيرة، وكذلك إقامة العديد من منشآت إعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى طاقة وفق أحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة، وزراعة الملايين من أشجار القرم، وإقامة المدن ذات المباني الخضراء المستدامة.
في السياق ذاته، استضافت العاصمة السعودية الرياض مؤخراً فعاليات «أسبوع المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، الذي نظمته الأمم المتحدة بهدف تأهيل البلدان والمؤسسات والمنظمات للمشاركة في مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ «كوب28». وعلى هامش الاجتماعات أصدر الوزراء المعنيون بشؤون المناخ في الدول العربية بياناً مشتركاً أكدوا فيه دعمهم التام لدولة الإمارات وثقتهم في قدرتها على تنظيم مؤتمر استثنائي يحقق الطموحات في وضع أسس عملية لمكافحة ظاهرة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري والتصدي لآثارها السلبية.
وأكد الوزراء المعنيون بهذا الملف الخطير أن التمويل المشترك يجب أن يكون هو الأساس الذي ينطلق منه العالم، مع ضرورة التزام الدول الصناعية الكبرى بتعهداتها السابقة بشأن توفير 100 مليار دولار سنوياً لصندوق الأضرار، من أجل مساعدة الدول الصغيرة على مكافحة الآثار المترتبة على التغير المناخي.
لكن بكل صراحة، بقدر اطمئناني للنهج الذي تسلكه الإمارات في هذا الشأن، فإن الأمر يتطلب تضافر جهود كافة الدول والمؤسسات الدولية المعنية بقضية المناخ، ولا شك أن الإمارات تبذل طاقتها القصوى وسوف تواصل جهودها دون كلل، لكن هذه مشكلة عالمية وآثارها تعم ولا تخص ومعالجتها تحتاج لعمل كثير وميزانيات ضخمة لا تقدر عليه دولة واحدة مهما فعلت، فكما تقول الأمثال الشعبية (يد واحدة لا تصفق).
لقد آن الأوان أن ننتقل من مرحلة التعهدات إلى التنفيذ على أرض الواقع، من خلال تنفيذ تعهدات الدول بخفض انبعاثاتها، من أجل تحقيق الهدف العالمي بخفض تلك الانبعاثات بـ43% بحلول العام 2030، وفقاً لاتفاق باريس للمناخ، وذلك من أجل الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض عند حدود درجة ونصف مئوية، لتجنب العديد من الآثار الكارثية لتغير المناخ، الأمر جد خطير، لكن الفرصة مازالت باقية، فخطط المواجهة جاهزة والمطالب محددة ومعروفة، فقط على العالم أن يتحلى بالمسؤولية ويشرع في التنفيذ الآن. ِ