تعتبر المنظمات الإنسانية الدولية جزءاً مهماً في مجال العمل الإنساني في مختلف أنحاء العالم.
ومع ذلك، فثمة مشكلة تعاني منها هذه المنظمات، وهي ازدواجية المعايير التي تستخدمها في تقييم وتنفيذ برامجها ومشاريعها. ولتجاوز هذه المشكلة، يجب على المنظمات الإنسانية الدولية العملَ على توحيد المعايير وتطبيقها بشكل موحَّد في جميع المناطق التي تعمل فيها، ويتطلب ذلك تعاوناً وتنسيقاً قوياً بينها وبين الجهات الرسمية المعنية، وعلى رأسها الحكومات ومؤسسات إنفاذ القانون المحلية.
وينبغي أن تكون المعايير المتبعة لدى هذه المنظمات شفافة ومنصفة، وأن تأخذ في الاعتبار احتياجات ومتطلبات الدول بغض النظر عن هويتها الثقافية وخلفيتها الحضارية.
ولطالما صدّعت رؤوسَنا هذه المنظمات بسعيها الدؤوب لحماية حقوق الإنسان، بغض النظر عن جنسه وعرقه ودينه ومعتقده وموقعه الجغرافي، لكن تبين لنا من تجارب الأحداث ووقائع السنين أن سياستها هي الكيل بمكيالين حينما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط على الخصوص.

ورغم كل ما حدث ويحدث في هذه المنطقة فإننا لم نسمع صوتاً لهذه المنظمات الإنسانية الدولية، وكأن الصمت هو اللغة الوحيدة التي تتقنها إزاء ما يجري، وذلك رغم العبارات الكثيرة التي تجترها في بياناتها وتصريحاتها يومياً، وعلى مدى عقود ممتدة، حول حقوق الإنسان وضرورة صون كرامته!

لكن ما إن يتعرض فرد عربي من قبل حكومة بلده للاستدعاء بهدف التحقيق حول ميول وأهداف وممارسات ربما تهدد الأمن الوطني لبلده وتؤدي لزعزعة استقراره وخلق فوضى وإحداث شرخ داخل المجتمع وتمزيقه، خلافاً للقوانين والأنظمة والأعراف، وذلك بدوافع أيديولوجية أو نزوات طائفية.. ما إن يحدث شيء من ذلك حتى تقوم قائمة هذه المنظمات الإنسانية الدولية، فتطالب بمنح ذلك الشخص المتحفَّظ عليه استثناءً من كل القوانين والنظم والأعراف والقواعد المرعية في بلده، محملةً البلدَ كاملَ المسؤولية في هذا الخصوص، بما يمثل تدخلا مباشراً في الشؤون الداخلية لدول مستقلة ومستقرة وآمنة، بحجج واهية لا أساس لها في الواقع!

لقد أصبح واضحاً للجميع أن هذه المنظمات تعمل بموجب خطط غير معلنة وأنها تخضع للوبيات ودول متنفذة تقوم باستخدامها، لأهداف وأجندات ضد دول وشعوب بعينها، بعيداً عن الشعارات والأهداف الإنسانية المعلنة التي طالما تشدقت بها تلك المنظمات والهيئات.

لقد انكشفت أوراقها جميعاً، بل احترقت تحت نيران الحروب المشتعلة في المنطقة، حيث لا نسمع لهذه المنظمات أي إدانات أو جهود لحماية المدنيين من مآسي القتال. لقد انكشف مقدار الأنانية والعنصرية لدى كثير من منظمات حقوق الإنسان العالمية وظهر تماديها في سياسة الكيل بمكيالين وفي تحيزها الواضح الفاضح!
وإن هذه المنظمات الإنسانية الدولية لن تستطيع استعادة مصداقيتها كأساس لأي دور فعال وناجح ومؤثر وإيجابي ما لم تقم بتوحيد المعايير وتطبيقها بشكل صارم وعام وشامل ونزيه دون تمييز، وأن تكون معايير شفافة وعادلة وتأخذ في الاعتبار احتياجات ومتطلبات الجميع، دولاً وأفراداً وحكومات.

إن التزام المنظمات الإنسانية العالمية بالحوكمة القوية وبقواعد الشفافية سيسهم في بناء الثقة وتحقيق النتائج المرجوة من العمل الإنساني العالمي الذي أصبح مرة أخرى على محك الاختبار!
*كاتب سعودي