أمريكا والغرب هم من يملكون القدرة والنفوذ لإيقاف القتال في غزة، لا أحد غيرهم بما فيها إسرائيل تملك هذا الحق، حتى الأمم المتحدة ليست قادرة لفرض ذلك مع ما تملكه من صلاحيات، وبما يعطيه لها ذلك من سلطات لولا أنها مُجمَّدة، بحكم فيتو أمريكا الجاهز لمنع أي تدخل أو توجه لإيقاف هذا العقاب الجماعي للمدنيين في قطاع غزة.
أمريكا هي من تُشَجِّع على هذه الإبادة الجماعية، وهي من تدفع بالإسرائيليين لعدم التأخر في تحقيق التطهير العرقي في القطاع من سكانه، لأن عدم الإسراع في ذلك سوف يُنظَر إلى هذه المعركة من الزاوية التي لا تخدم إسرائيل، وبالتالي لا يخدم أي إبطاء مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، فقد تتسع رقعة المظاهرات والضغط والاحتجاجات في أمريكا وأوروبا بصفتها الداعمة للعدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، والمشاركة بما جعل أرقام القتلى والمصابين والمفقودين من المدنيين الفلسطينيين بازدياد نتيجة الإفراط في استخدام السلاح الأمريكي ضد مدنيين عزل.
فإسرائيل ليست لوحدها في مواجهة طوفان القدس، وفي معركة تعاني فيها حكومة الحرب الإسرائيلية المصغَّرة من ضغوط داخلية وخارجية، إذ معها وإلى جانبها ويعاضدها ويساندها أمريكا ودول الغرب بشرياً ومالياً وسياسياً وبالسلاح الفتَّاك، وهي ترى أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها في أراضٍ فلسطينية تحتلها، وتمنع عنها الماء والدواء والغذاء والمحروقات بل وحتى معالجة الجرحى، حيث تصطادهم في الطرقات، وفي المستشفيات، وكل هذا يتم أمام أنظار العالم، وبدعم غير مسبوق من الولايات المتحدة الأمريكية.
وأمريكا تستغفل أحرار العالم، وتمارس معهم ترويج المعلومات الإسرائيلية الكاذبة، وتوظف إعلامها على أن يكون أبواقاً لما يصدر عن إسرائيل من معلومات عن سير المعارك بما يخالف الواقع، ومنع نشر أو عرض أي معلومة تكون موثَّقة بالصور والفيديوهات طالما أن مصدرها هو الجانب الفلسطيني، في عمل إعلامي غبي، وانكفاء على الأكاذيب فقط، بما كشف زيف أن لدى الغرب حرية رأي، ومساحة تعبير كاملة، وأن الادعاء باحترامهم لحقوق الإنسان غير صحيحة، وأن ديمقراطيتهم زائفة، وأن كل ما كانوا يروجون له ظهر واضحاً عدم صحته، وزيفه، وعدم تقبل العالم له.
أمريكا حين تحرَّكت بوارجها وحاملات طائراتها ومدمراتها وأسلحتها الأخرى، ودفعت بأعداد من مقاتليها إلى منطقتنا، مع أن هذا العمل لا يخدم أمن واستقرار المنطقة، ولا يخفف من وطأة الهزيمة النفسية التي تمر بها إسرائيل، ومن يطالب بحقه وبأرضه وبكرامته -وهو ما يجب أن تستوعبه أمريكا مثل إسرائيل- ترخص عليه الحياة، ويهون عليه الموت، ويرى أن ثمن التضحيات الكبيرة هو من أجل استرداد الحق المغتصب مهما ارتفع ثمنه، وطال زمنه، وهو ما نرى صورته جلية في كفاح الشعب الفلسطيني على مدى 75 عاماً.
إن مسؤولية أمريكا الإنسانية -إن كان لديها شيء من هذا- أن توقف القتال، وتسمح بدخول الأغذية والأدوية، وتبدأ في إحقاق الحق بتنفيذ خيار الدولتين، فقد أصابنا الملل من وعود وضمانات أمريكا الكاذبة، ولم نعد نصدق ساسة واشنطن في أقوالهم، وهم من يقفون في عداء لمطالب الشعب الفلسطيني، وفي المقابل من يشجعون ساسة إسرائيل وقواتها على قتل الفلسطينيين، ومنعهم من أن يتمتعوا بالحرية وبالحقوق المشروعة التي كفَّلها لهم القانون طالما هم ما زالوا تحت الاستعمار الإسرائيلي، دون أن يطبقها المستعمر، أو يلتزم بها، أو يفكر فيها، وكل هذا يتم تحت أنظار العالم.
التعليقات