في شهر أكتوبر من العام 1956 اندلعت أزمة أمنية وسياسية حادة في منطقة الشرق الأوسط، إثر قيام الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر تأميم شركة قناة السويس، القناة التي كانت تسيطر عليها بريطانيا حينها.

وبعيداً عن القرار وصحته -فهو في نهاية الأمر شأن داخلي مصري- لكن تأثيراته اللاحقة ألقت بظلالها في المحيط والعالم لليوم.

ولعل الدرس المستفاد؛ هو كيف تعامل الأمريكي مع الأزمة، وكيف تخلى عن حلفائه (بريطانيا وإسرائيل وفرنسا) عندما تعلق الأمر بالمصالح العليا الأمريكية.

بدأت الأزمة تتفاقم إثر خلافات سابقة حول تمويل السد العالي، ليعلن بعدها الرئيس عبدالناصر الأحكام العرفية في منطقة القناة وتأميم شركة قناة السويس، لتجد كل من بريطانيا وفرنسا الذريعة لشن الحرب، إضافة إلى أن تأميم القناة قد يؤدي إلى إغلاقها لاحقاً، وانقطاع الخط التجاري الهام بين أوروبا والشرق الأقصى، وهو ما يعني عودة بريطانيا مئة عام للوراء، عندما كانت التجارة تمر عبر رأس الرجاء الصالح.

سارعت بريطانيا وفرنسا لإعداد عمل عسكري سري ضد مصر لاسترداد القناة بمشاركة إسرائيل، ودون علم الأمريكان.

وهنا جاء موقف أمريكا الصارم، والتي نأت بنفسها عن أزمة أديرت بعيداً عنها ولم تستأذن فيها، وأوضحت أنه لن يتم التسامح مع العمل العسكري الذي وصفته بغير المبرر.

الانحياز الأمريكي مع مصر يأتي بالرغم من موقفها المعادي لها، وبالرغم من أنها حليفة لبريطانيا وإسرائيل وفرنسا، لكنها أدارت وجهها عنهم وهددتهم بضرورة الانسحاب وإنهاء الحرب.

ولعل هذه الأزمة كانت هي الأولى بعد الحرب العالمية الثانية التي اختبرت فيها موازين القوى، وفيها أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تقول للفرنسيين والبريطانيين خاصة، لقد انتهى دوركم وليس لكم مكان في العالم الجديد إلا من خلال الإدارة الأمريكية، كما أنها أرسلت إلى الإسرائيليين رسالة أخرى مفادها إن بقاءكم في هذه المنطقة المليئة بأعدائكم مرهون بتحالفكم مع أمريكا، وهكذا توجت الولايات المتحدة نفسها القوة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط منذ تلك الأزمة حتى أزمة غزة الحالية.

عند قراءة الموقف السياسي الأمريكي حينها، سنجد أنه انطلق من مصالحها العليا، سواء كانت مع بريطانيا، أو ما تعلق بالمباحثات السرية الدفاعية «الإسرائيلية الفرنسية» المشتركة، التي خططت لإقامة حلف عسكري دون استشارة الأمريكان، كل ذلك دفع الرئيس الأمريكي أيزنهاور للتصدي للحرب وإيقافها وإعادة كل شيء إلى ما كان قبل يوم العدوان؛ لأن التقارب الفرنسي الإسرائيلي سيؤثر على خطط الولايات المتحدة بأن تقود منفردة المنطقة المليئة بمكامن الطاقة، وأيضاً لتوحيد الصفوف خلفها للتصدي للمد الشيوعي عبر أذرع الاتحاد السوفيتي حينها.

ولعل المقاربة التي يمكن استخلاصها من أزمتي «غزة، والعدوان الثلاثي» أن الولايات المتحدة تقف كالغول، وتقول لنتن ياهو الذي امتنعت عن الالتقاء به منذ وصول الإدارة الحالية للبيت الأبيض: إن عدم انخراط إسرائيل في المشاريع التي تقودها أمريكا يعني تعرضكم لأزمات أمنية قد تقتلعكم وتقضي على أحلامكم في الاستقرار، وهي شبيهة بما قالت لأسلافه خلال العدوان الثلاثي: إن تخطيطكم لحرب من ورائنا يعني تخلينا عنكم.