أذكر أني أتيت في هذه الزاوية، قبل سنوات طويلة، على السؤال الذي طرحه أمبرتو إيكو، والقائل: «هل سيكون مجدياً معرفة الطعام الذي أكله نابليون قبل انطلاق معركة من معاركه؟»، وورد سؤال إيكو في كتابه «اعترافات روائي ناشئ»، وهو يناقش العلاقة بين المتخيل والواقعي، فربما يرى المؤرخون أن أمر ما يأكله نابليون غير مهم، لكن الأدب له رأي آخر.

من وجهة نظر إيكو، فإن خصائص الشخصيات التخيلية محددة ضمن النص السردي، وهي أداتنا في التعرف إليها، قائلاً: إنه، مثلاً، يجهل الكثير من الحلقات من حياة شخص قريب إليه كأبيه، فكم من أشياء فكَّر الأب فيها، ولم يقل له شيئاً عنها، وكم مرة أخفى أحزانه وتناقضاته، وحالات الضعف لديه، لأنه ما زال يجهل الكثير عنه، فيما هو يعرف كل تفاصيل الشخصيات الروائية التي قرأ عنها.
ما نحن بصدده اليوم، ليس أمراً متخيلاً في شخصية نابليون، وإنما هو تفصيل ملموس جداً، يتصل ببيع القبعة التي كان يرتديها، ومع ذلك يصحّ السؤال: ما أهمية هذه القبعة من وجهة نظر التاريخ؟ وهل كان مسار هذا التاريخ الذي شارك نابليون في صنع بعض صفحاته، سيختلف لو أنه لم يرتدِ أي قبعة على الإطلاق؟ أليس الأجدى الوقوف على تفاصيل شخصية هذا القائد،؟ حتى لو استخدمنا أدوات التحليل النفسي في التعرف إلى جوانبها المختلفة، وهو القائل لأحد أقرب المقربين إليه: «إن السلطة هي خليلتي أو رفيقتي. لقد بذلت جهوداً فائقة في هذه الفتوحات، جهوداً تجعلني لا أسمح لأحد أن يأخذها مني أو يبعدها عني أو حتى يرنو إليها أو يشتهيها».

وينسب إليه أيضاً قوله: «إني أحب السلطة كما يحب الموسيقي كمانه». ليس هذا فقط ما قاله نابليون، وهو يجاهر بحبه للسلطة. قال أيضاً: «أنا لا أحب أحداً. دع رقة الشعور للنساء فتلك مهمتهن، لكن الرجال يجب أن يكونوا رابطي الجأش، ذوي أهداف محددة، وإلا تخلوا عن مهامهم في الحرب والحكم».
كل ما قلناه أعلاه هو محض «فذلكات» بالنسبة لمنظمي المزادات. ما همّهم في أن نابليون ديكتاتور يعد السلطة خليلته؟ أليس المبلغ الذي ستجلبه قبعة كان يرتديها أهم بكثير من كل هذا «الحشو»؟. وهذا ما كان، فتلك القبعة بيعت بمبلغ قياسي بلغ 1.932 مليون يورو (2.1 مليون دولار)، لنقرأ أيضاً أن فيلماً عن سيرة نابليون عُرض هذا الشهر من بطولة خواكين فينيكس، أسهم في مضاعفة سعر القبعة، التي كان نابليون يرتديها بشكل جانبي في المعركة، لأنها تميّزه عن الضباط الآخرين الذين كانوا يرتدون قبعاتهم متجهة للأمام.