مع تمديد الهدنة يومين تنفس كثر الصعداء لأن مخاطر عودة القتال أشد دموية وشراسة وتدميراً في سياق الخطة الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من شمال غزة والحؤول دون عودتهم بهدف إقامة حزام أمني يضمن عدم تنفيذ هجمات جديدة ضد مستوطنات غلاف غزّة.

إزاء اعتبار أكثر من جهة عربية ودولية أنّ عودة القتال محتمة بالإستناد إلى النوايا المعلنة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، أمل القلقون من هذه الحتمية أن تسعى واشنطن إلى تمديد الهدنة عن طريق البحث بالإفراج عن المزيد من الرهائن. فعودة مدير وكالة الإستخبارات المركزية وليام بيرنز إلى الدوحة للقاء رئيس الحكومة القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ومدير الموساد الإسرائيلي لهذا الغرض دليل إلى تعليق واشنطن أهمية على تمديد الهدنة. فما جرى حتى الآن في شأن تبادل الأسرى الفلسطينيين مقابل المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس» والفصائل الأخرى، تناول فئة واحدة من ثلاث فئات من هؤلاء، أي فئة النساء والأطفال والفتية، والتي لم يستكمل الانتهاء من إنجاز الإفراج عنهم حتى اللحظة. الفئتان الأخريان، أي فئة الأسرى والمحتجزين المدنيين الرجال من غير العسكرين، ثم فئة العسكريين من الجانبين لم يتم التطرق إليهما حتى الأمس. فهل إن إطالة عملية التبادل عبر توزيعها على ثلاث فئات مقصودة لأنها تسعف في إطالة أمد الهدنة، وتأخير عملية استئناف القتال؟

يبدو أن الإدارة الأميركية تفتش عن طرق لإطالة أمد الهدنة لعلها توفر على نفسها كلفة استئناف القتال الذي لا بد من أن يؤدي إلى استهداف المدنيين مثلما حصل في الخمسين يوماً الماضية، أو لعلها تثبت بضغوطها من أجل تمديد الهدنة أنها حاولت تأخير عودة القتال والقصف الهمجي الذي أخذ بعض الأميركيين يصفونه بأنه جريمة حرب. فتأخر الآلة العسكرية الإسرائيلية في تحقيق الإنجازات الثابتة طوال المدة السابقة من القتال، والحصيلة الهائلة من القتلى المدنيين الفلسطينيين، والدمار الهائل غير المسبوق لمناطق سكنية الذي سببته آلة الحرب التي تقودها الرغبة في الانتقام الجماعي من «حماس» أخذت تحرج إدارة جو بايدن، نظراً إلى ردود الفعل في داخل الحزب الديموقراطي نفسه، وفي الكونغرس الأميركي، بحيث أن بايدن نفسه بات يحتاج إلى «الوقفة الإنسانية» للحرب ومن أجل الإفراج عن مزيد من الرهائن. والوقفة بهذا المعنى قد تكون مصلحة أميركية بقدر ما هي مصلحة فلسطينية وحمساوية بهدف تخفيف وطأة الاستهداف الإسرائيلي للمدنيين.

يُنقل عن أكثر من عاصمة أجنبية بينها موسكو تقديرها بأن إسرائيل لم تحقق على الأرض ما كانت تأمل به من سيطرة على شمال غزة، خلال الأسابيع الستة الماضية من القتال، على رغم دخولها إلى مناطق في القطاع وإلى غزة المدينة. والتقديرات تشير إلى أنها تمركزت في 20 في المئة من مساحة القطاع فقط حتى الآن (صحيفة يديعوت أحرونوت). ومع الخسائر التي تكبدتها «حماس» في المقاتلين والقيادات الذين أعلنت عن سقوطهم قبل يومين، فقد تسربت معلومات عن خسائر الجيش الإسرائيلي أمس في صحيفة «هآرتس» ثم اضطرار الجيش لتأكيد ذلك، عن إصابة ألف جندي ومقتل 392 منهم فيما 202 في حال الخطر...وسط أنباء عن أن وحدات من الجيش امتنعت عن التوغل أكثر داخل غزة بعد الخسائر التي تكبدها الجنود الإسرائيليون الذين سبقوهم، جراء نجاح مقاتلي المقاومة في تدمير دباباتهم وآلياتهم...وأن هؤلاء عوقبوا من قبل القيادة.

لكن السؤال يبقى عمّا إذا كان نجاح واشنطن في تمديد الهدنة مرة جديدة لالتقاط الأنفاس بالمعنى السياسي للكلمة، سيتيح كبح جماح آلة الحرب الإسرائيلية، وعما إذا كانت إدارة بايدن تريد وقف الحرب أم لا. فثمة من يعتقد أن المسؤولين الأميركيين أغدقوا على القيادة الإسرائيلية بالتأييد لانتقامها من «حماس» إلى درجة أنه لم يعد بإمكانهم تهدئة نتنياهو والقيادة العسكرية الإسرائيلية، إضافة إلى أنه ليس لدى واشنطن بدائل سياسية تطرحها بعد وقف الحرب حتى الآن. وهذا ما يبقي على مخاطر استئناف الحرب قائمة بقوة.