انتهت الهدنة القصيرة المؤقتة للحرب الضروس التي تشنها إسرائيل على غزة منذ أكتوبر الماضي، وعادت بشكل أشد وحشية وضراوة، وكان هذا متوقعاً لأن إسرائيل أكدت ذلك حتى لو تم تسليم كل أسراها لدى حماس، لأن الهدف أكبر من مجرد استرجاع عدد من الأسرى، أو الانتقام من حماس، هو في الحقيقة هدف استراتيجي ضمن مخطط إسرائيل الكبرى، لا بد أن يبدأ بهذه الطريقة المتمثلة في تجريف غزة من سكانها بعد تحويل الحياة فيها إلى مستحيلة، كما صرّح بذلك وزير الدفاع الإسرائيلي.

ما يحدث في غزة يزيل كل الأقنعة التي كانت تضعها إسرائيل، ويفضح كل الأكاذيب التي تتصنعها أمريكا ومعها المجتمع الدولي بشأن إحلال السلام في المنطقة، السلام العادل والدائم والشامل الذي يعيد للفلسطينيين حقهم في أرضهم وإقامة دولتهم. يستحيل على أمريكا أن تقنع العالم بمصداقيتها في هذه المسألة حينما تدعي أنها راعية للسلام، بينما هي تدعم إسرائيل بالسلاح والمال والعدة والعتاد في عدوانها على غزة، وتبرر لها كل جرائمها بحق مليوني مواطن فلسطيني. هذا القول ينطبق أيضاً على بقية الدول الأوروبية الكبرى، والمجتمع الدولي عموماً الذي ينقسم إلى قسمين، إما داعم علناً لإسرائيل أو متواطئ بالصمت على ما تفعله. هذا المشهد لم يحدث من قبل، فقد كانت حروب الإبادة تحدث بعيداً عن عيون العالم قبل ثورة الاتصالات التي تنقل الحدث في حينه ومن موقعه مباشرةً، أما الآن فقد مضى شهران على أفظع حرب إبادة تُنقل مشاهدها إلى كل العالم على مدار الساعة بكل تفاصيلها المأساوية، دون أن يتحرك ضمير العالم لوقفها. لم يحدث مثل هذا الدعم والتواطؤ الذي يمارسه العالم لصالح إسرائيل ضد شعب احتلت أرضه وتمارس التنكيل به منذ ثمانية عقود.

الأمم المتحدة معطلة، ومجلس الأمن مشلول، وجميع المنظمات الدولية المعنية خرساء لأنها إسرائيل، البذرة السامة التي زرعوها في قلب الوطن العربي، ومن المؤكد أنهم لن يستجيبوا لمساعي إيقاف الحرب على غزة ووقف عملية التهجير القسري منها والاستمرار في مخطط التهام بقية فلسطين. السلام الإسرائيلي العربي كذبة يخدرنا بها الغرب، لأن إسرائيل كيان احتلالي لا يضمن بقاءه إذا لم يكن في حالة حرب دائمة، ظاهرها الدفاع عن نفسه وباطنها تحقيق حلم إسرائيل الكبرى.