انتهت أعمال مؤتمر قمة «كوب 28» لكن العمل الجاد في ملف البيئة لن ينتهي، فتلك قضية لا تهاون فيها ولا يمكن تجاهلها، والعالم كله يتطلع إلى اليوم الذي يرى فيه ثمار القمة ويتابع ترجمة ما اتُخذ من قرارات لتطبيقها على أرض الواقع. ولن نكون مبالغين إن قلنا إن جني ثمار القمة قد بدأ بالفعل.

القمة التي تعتبر الأكثر تمثيلاً من حيث الدول المشاركة فيها، بما في ذلك التمثيل العادل للدول النامية والصغيرة الأكثر تضرراً والتي شاركت وفودها في عملية تشكيل أجندة القمة.

لقد شهدت القمة بالفعل تطوراً مذهلاً بما يصب في صالح العمل المناخي مقارنة بالقمم السابقة، وذلك من خلال اتخاذها قرارات وإجراءات طموحة ستنتقل بالعالم من مرحلة التعهد إلى مرحلة التنفيذ منذ إعلان تشغيل صندوق «الخسائر والأضرار» في اليوم الأول للمؤتمر، حيث تم تخصيص 258 مليار دولار لتفعيل دور الصندوق والذي أسهمت فيه الإمارات بمبلغ 100 مليون دولار.

الإمارات أيضاً أعلنت عن دعمها الأنشطةَ الراميةَ إلى تعزيز الجهود الدولية في مكافحة الآثار السلبية لظاهرة التغيرات المناخية من خلال مبادرة إنشاء «ألتيرّا» أكبر صندوق استثماري لتحفيز العمل المناخي العالمي برأس مال أولي قدره 30 مليار دولار، والمستهدف جمع وتحفيز 250 مليار دولار من الاستثمارات بحلول عام 2030 لبناء اقتصاد مناخي عالمي جديد. الأمر الآخر الجدير بالاهتمام هو تخصيص بنوك الإمارات نحو 270 مليار دولار للتمويل الأخضر. كما شهدت القمة إجراء أول تقييم عالمي للجهود المستمرة على مدار عامين لتحديد مدى التقدم الذي أحرزته الحكومات المعنية لتنفيذ خطط العمل المناخي لمواجهة الاحتباس الحراري وقضايا بيئية أخرى ذات أولوية قصوى، وبما يتماشى مع اتفاق باريس.

دور الإمارات كان كبيراً خلال «كوب 28»، فهي إلى جانب ما قدمته أطلقت مبادرة «صفر نفايات» التي تهدف إلى توحيد جهود دول العالم وتعزيزها في مجال إزالة الكربون الناتج عن قطاع النفايات. كل ذلك وسواه يعكس التزام الإمارات بتحقيق مستهدفات الاستدامة، وانسجامها مع مجموعة الأولويات التي حددتها القمة، وفي مقدمتها التخلص من 51 مليار طن من غازات الاحتباس الحراري التي تنضاف إلى الغلاف الجوي سنوياً وصولاً إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050.

إن ما سعت إليه رئاسةُ القمة ينم عن حنكة وحكمة من خلال إبراز دور القطاع الخاص في العمل المناخي. فقد أتاحت القمة الفرصة لأكثر من 100 شركة ناشئة في مجال تكنولوجيا المناخ لعرض أعمالها وابتكاراتها في قطاعات متنوعة مثل النقل والزراعة المستدامة والطاقة الشمسية وقطاعات سواها لتقدم حلولاً مبتكرة تسهم في بناء مستقبل منخفض الانبعاثات.

الخطط الاستثمارية الوطنية والإقليمية والمبادرات العديدة التي أُعلن عنها في القمة ووُضعت في حيز التنفيذ تجعلنا نقول إنها كانت قمة استثنائية بكل المقاييس، ففيها أعلن رؤساء الدول والحكومات عن التركيز على تعزيز العمل المناخي المتعلق بالطبيعة لتنفيذ أهداف اتفاق باريس، وقَدمت 119 دولةً تعهداً بزيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة الطاقة، فيما أقرت 125 دولة إعلان الإمارات بشأن الصحة والمناخ.

ثم إن الإمارات عبر تنظيمها وإدارتها القمةَ أكدت أنها لا تقبل إلّا أن تكون هي أولاً، وهو ما جعل وسائل الإعلام العالمية تنقل أخبار القمة وما تحقق فيها من إنجازات هي في نهاية الأمر لصالح الأرض ومواردها وسكانها، وهو ما يثبت أن الاستدامة لم تعد رفاهية أو طموحاً، بل هي ضرورة حتمية إن أردنا إبعاد أخطار تهدد الجميع.