يتعرض مجتمع الأعمال حول العالم للعديد من التحديات التي تواجه النمو، بما في ذلك حالة عدم اليقين الجيوسياسي، والتداخل مع الجانب السياسي، وارتفاع نسبة توقعات أصحاب المصلحة فيما يتعلق بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) والذكاء الاصطناعي التوليدي (AI)، حيث لا تزال الثقة العالمية على المدى المتوسط قوية نسبيًا على الرغم من التحديات الاقتصادية الكلية والجيوسياسية الراهنة، ومع ذلك، فإنَّ الطريق إلى النمو المستدام طويل المدى يمكن أن يؤثر بمرور الوقت على المستوى العالمي.

ويمكن للرؤساء التنفيذيين أن يقودوا العودة إلى عالمٍ أكثر إنصافًا وازدهارًا، وسيكون مفتاح النجاح هو التركيز المتواصل على التخطيط والالتزام الاستراتيجي طويل المدى، لتجنب مخاطر القيادة المؤقتة القائمة على ردة الفعل والملازمة لفترات عدم اليقين العميق.

التوقعات الاقتصادية

لم تتغير الثقة العالمية في الاقتصاد خلال الأعوام الماضية، متجاوزة مستويات الثقة قبل الجائحة، ويشعر ما يقارب ثلاثة من كل أربعة رؤساء تنفيذيين عالميين باليقين بشأن الاقتصاد على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بنسبة 71 % في العام الماضي. ويعكس هذا التفاؤل مرونة واضحة واهتمامًا جماعيًا لإعادة العالم إلى مسار النمو المستدام طويل المدى، وبالرغم من ذلك، تراجعت ثقة الرؤساء التنفيذيين في آفاق نمو شركاتهم إلى أدنى مستوى لها خلال ثلاث سنوات، حيث صرّح 77 % عن ثقتهم هذا العام مقارنة بـ 85 % في بداية عام 2020.

إنَّ التحول في رؤية الرؤساء التنفيذيين للمخاطر التي تهدد نمو الأعمال جدير بالملاحظة، والآن تتصدر الجغرافيا السياسية وحالة عدم اليقين السياسي القائمة، مع الاعتراف بأن هذه ليست مجرد اعتبارات قصيرة المدى.

وفي عالم منقسم جيوسياسيًّا، غالبا ما يصبح للرؤساء التنفيذيين دور في السياسة بحكم الأمر الواقع، وينبغي أن يؤدّي نهجهم إلى رفع مستوى السياسة على جدول أعمال مجالس الإدارة مع إنشاء استراتيجية حول المخاطر الجيوسياسية والتي يجب أن تتضمن رؤى متخصصة وسيناريوهات مخطط لها واختبارات تحمُّل الضغوطات وهو أمرٌ في غاية الأهمية أدرك الجميع أهميته خلال فترة الجائحة من وجهة نظري الشخصية.

وكانت المخاطر العشرة الأولى هذا العام هي العوامل الجيوسياسية وحالة عدم اليقين السياسي، والقضايا التشغيلية، والتكنولوجيا الناشئة/المغيِّرة، وسلاسل الإمداد، والمخاوف التنظيمية، وتغير البيئة/المناخ، وأسعار الفائدة، والأمن السيبراني، ومخاطر السمعة واستقطاب المواهب.

وبينما يتعامل الرؤساء التنفيذيون مع هذه التحديات ويواجهونها، فإنَّهم يدركون أنَّ إظهار النزاهة الشخصية هو المفتاح الأهم لبناء الثقة، وقد أعرب ما يقرب من 71 % عن استعدادهم لتقليص جزء من استثماراتهم إذا كانت ستساهم في تعريض سمعتهم للخطر، وبالإضافة إلى ذلك، أبدى 61 % استعدادهم لاتخاذ موقف عام بشأن القضايا المثيرة للجدل سياسيًّا، أو اجتماعيًّا، على الرغم من المخاوف المحتملة في مجالس الإدارة.

التكنولوجيا المغيِّرة

يعمل الذكاء الاصطناعي على إحداث تغيير في مختلف المجالات، ويتجلى ذلك في الحياة اليومية والأعمال التجارية والمجتمع ككل، ومع اكتساب أدوات الذكاء الاصطناعي مثل: بارد وشات جي بي تي أهمية كبيرة، يدرك الرؤساء التنفيذيون على مستوى العالم الإمكانات غير المحدودة التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل متزايد، ويواصلون مواكبة التطورات فيما يتعلق بالاستثمارات واستكشاف التكنولوجيا؛ مما يجعل الرؤساء التنفيذيين العالميين يمنحون الذكاء الاصطناعي التوليدي أولوية استثمارية قصوى.

وفقًا لاستطلاع شركة كي بي إم جي 2023 للرؤساء التنفيذيين، يستثمر 70 % من الرؤساء التنفيذيين بكثافة في الذكاء الاصطناعي التوليدي باعتباره ميزة تنافسية للمستقبل، حيث يتوقع 52 % منهم عائدًا على استثماراتهم في غضون ثلاث إلى خمس سنوات.

وقد وجد تقرير التكنولوجيا الأخير الصادر عن شركة كي بي إم جي أنَّ 55 % من المنظمات قالت إنَّ التقدم نحو الأتمتة قد تأخر بسبب قلقهم بشأن كيفية اتخاذ أنظمة الذكاء الاصطناعي للقرارات.

على الرغم من الرغبة في المضي قدمًا في استثماراتهم، يدرك الرؤساء التنفيذيون على مستوى العالم أنَّ التكنولوجيا الناشئة يمكن أن تؤدي إلى مخاطر يجب معالجتها، وقد أشار 57 % منهم إلى أنَّ التحديات الأخلاقية هي مصدر القلق الأكبر عند تفعيل الذكاء الاصطناعي التوليدي، يليها مباشرة غياب اللوائح التنظيمية.

قد تحتاج المنظمات إلى سياسات وممارسات يمكنها تطبيقها بثقة، خاصّةً مع زيادة التدقيق والتنظيم في مجال الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك، يعترف الرؤساء التنفيذيون بالمخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا الناشئة، لا سيّما التحديات الأخلاقية بنسبة (57 %) وغياب اللوائح التنظيمية كذلك، كما تزايدت المخاوف المتعلقة بالأمن السيبراني، حيث أدرك 82 % احتمال ظهور مخاطر جديدة حتى مع مساعدة الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الهجمات الإلكترونية، حيث يجب على الرؤساء التنفيذيين القيادة من خلال اعتماد أطر عمل مسؤولة للذكاء الاصطناعي وإعطاء الأولوية للحماية والحوكمة.

المواهب

يسلط المشهد العالمي المليء بالتحديات هذا العام الضوء على الضغوط التي يشعر بها الرؤساء التنفيذيون عند اتخاذ قرارات بشأن مجموعة متنوعة من القضايا الحاسمة؛ مما يؤثر على كيفية تخطيط الرؤساء التنفيذيين لدعم واستقطاب المواهب على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

ومن الجدير ذكره: أنَّ الرؤساء التنفيذيين العالميين مستمرون في الإشارة إلى دعمهم لطرق العمل التقليدية قبل الجائحة، حيث توقَّع 64 % منهم أنَّ العودة الكاملة إلى مكاتبهم لن تستغرق سوى ثلاث سنوات، ويظل هذا متسقًا مع وجهات نظرهم في توقعات الرؤساء التنفيذيين لعام 2022. يقول ما يقرب من 87 % من الرؤساء التنفيذيين إنهم من المرجح أن يكافئوا الموظفين الذين يحاولون القدوم إلى المكتب بمهام مواتية أو زيادات أو ترقيات.

ويؤكد هذا الشعور استمرار التفكير التقليدي بين الرؤساء التنفيذيين الذي يتمحور حول العمل في المكتب، ويأتي ذلك على خلفية الجدل الدائر حول العمل المختلط، والذي أثر بشكل إيجابي على الإنتاجية على مدى السنوات الثلاث الماضية ويحظى بدعم قوي من الموظفين، لا سيما بين جيل الشباب من الموظفين، ومع استمرار المنظمات في طرح خطط العودة إلى المكتب، ينبغي على الرؤساء اتخاذ وجهة نظر طويلة المدى تتضمن عرض قيمة الموظف وتشمل اعتبارات واحتياجات الموظفين لضمان رعاية المواهب ودعمها.

في حين أنَّ هناك اتفاقًا واسع النطاق على أهمية الشمول والتنوع والمساواة (IDE)، يعرب الرؤساء التنفيذيون عن قلقهم بشأن بطء وتيرة التقدم، ويعتقد الثلثان (66 %) أنَّ التقدم في هذه المجالات كان بطيئًا للغاية؛ مما يؤكد الحاجة إلى التغيير على مستوى القيادات العليا (72 %).

الممارسات البيئية

والاجتماعية وحوكمة الشركات

يتم الاعتراف بشكل متزايد بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية المنظمة؛ مما يضمن المرونة والنمو على المدى الطويل وسط التحديات الجيوسياسية والاقتصادية، وعلى الرغم من الجدل الدائر حول مصطلح الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، يدرك الرؤساء التنفيذيون أنَّه لا يزال جزءًا لا يتجزأ من العمليات التجارية واستراتيجيات المنظمات ويتبعون نهجًا يعتمد على النتائج بشكل أكبر.

وقام أكثر من الثلثي (69 %) الرؤساء التنفيذيين على مستوى العالم بتضمين الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة بشكل كامل في أعمالهم كوسيلة لخلق القيمة، بينما يعتقد الرؤساء التنفيذيون أنهم على بُعد بضع سنوات من رؤية عوائد على الاستثمارات في مجال الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، فإنهم يدركون أهميتها بالنسبة للعملاء وسمعة العلامة التجارية. ومع ذلك، يعترف 68 % بأن تقدمهم الحالي في مجال الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة قد لا يصمد أمام التدقيق المحتمل من أصحاب المصلحة أو المساهمين، ولا يزال تحقيق التوازن بين التقدم ونمو الأعمال يمثل تحديًا، كما أشار أكثر من نصف كبار الرؤساء التنفيذيين في مؤشر ضمان نضج الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة.

في الختام، يلعب الرؤساء التنفيذيون دورًا محوريًّا في التعامل مع المشهد المعقد للتحديات، وتتمتع قراراتهم بآثار بعيدة المدى على مستقبل الأعمال والمجتمع.