كلّ الاستحقاقات في لبنان مؤجّلة إلى ما بعد حرب غزة. هذا ما يرفعه «حزب الله» في وجه السائلين عن استمرار استيلاد الأزمات ورفض البحث عن حلول جذرية لما تتخبّط فيه البلاد. فلا صوت يعلو فوق صوت المأساة الفلسطينية الحالية، التي ستكشف الأيام أنّها حلقة من حلقات مشروعه على حساب الفلسطينيين، وتحديداً إذا لم تنتج حلّاً عادلاً يمنحهم وطناً نهائيّاً.

والتذّرع بضرورة وقف الإجرام الممنهج غير المسبوق لآلة القتل الإسرائيلية بحق أبناء الوطن السليب، كشرط لبحث «قضايا ثانوية» لبنانية لا يضع حقوق الفلسطينيين في الأولويات، ولكنه يسمح بمسرحية التحايل على قرار واضح في شأن أزمة شغور قيادة الجيش اللبناني وتداعياتها المدمرة، من دون إغفال الحرص على توزيع الأدوار، التي تعكسها اجتهادات الترقيع المطروحة في بازار أولاد المنظومة، لدفع لبنان إلى مزيد من جهنم وبئس المصير.

فالتذرّع بحرب غزة يجافي الحقيقة. ذلك أنّ عدم بحث «القضايا الثانوية» كان سابقاً لهذه الحرب.

ولمن نسي، البداية كانت، في الأساس، مع تعطيل «حزب الله» انتخابات رئيس للجمهورية، وما نجم عنها من ترتيب مع انتهاء ولاية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومن ثم انسحب على حاكمية مصرف لبنان، وها هو يُخَيِّم على مصير قيادة الجيش، وبعدها يأتي دور المدير العام للأمن الداخلي والنائب العام التمييزي ورئيس مجلس القضاء الأعلى... وغيرهم.

وبعد انتهاء المعارك، سيكون في الجعبة حجج تكفي لاستكمال ما بدأ.

فالتسريبات والمعلومات المتضاربة تشي بسيناريوات تذهب أبعد بكثير من المعطيات الحالية المرتبطة بالحرب في غزة وفتح جبهة الجنوب اللبناني للدعم والمساندة.

وليس صدفة احتدام النزاع السياسي المستحكم بشأن التمديد لقائد الجيش جوزاف عون أو عدم تسريحه، مع أن الحلّ لا يستوجب إلا التوقّف عن التلاعب بالمجلس النيابي والتوجّه إلى انتخاب رئيس للجمهورية يقطع الطريق على البدع الناسفة للدستور.

إلا أنّ مثل هذا الكلام المنطقي والبديهي عن الإلتزام بالدستور هو مدعاة لسخرية الممانعين ومعهم أولاد المنظومة، فالمعركة اليوم تقتضي قطع الطريق على سعي إسرائيل إلى فصل المسار اللبناني عن الجبهة الغزاوية من خلال المطالبة بتطبيق القرار 1701، وبتحقيق أكبر المكاسب مع فتح قنوات تفاوض لتسوية على الحدود الجنوبية برعاية أميركية.

والمخيف ألا يتيسّر فتح هذه القنوات إلا على الساخن، وربما لن يتبلور مسار التسوية، التي بدأ تسريب معلومات عنها من عواصم الدول الكبرى، إلا بعد سقوط قواعد الإشتباك وخلط الأوراق بالدم والنار، واستتباع انفجار جبهة لبنان بعملية انقلابية مدبّرة تطيح بالاعتبارات القانونية والدستورية، وتكرّس نسف التركيبة السياسية اللبنانية تمهيداً لصيغة جديدة، يسعى من خطّط لها لتتويج جهود، كان بدأها مع العبوة الناسفة الأولى التي استهدفت النائب مروان حمادة، وواصلت في حلقة من حلقاتها الاغتيالات، ومن ثم استدارت لتغتال مؤسسات الدولة وتقضي على كل ما صنع استمرارية لبنان، تاريخيّاً، من قطاعات مصرفية واستشفائية وتعليمية ناجحة، ونمط حياة وخدمات وحرية تعبير تستقطب إليه العرب والغرب، ووضعت حجر الأساس لما يصبو إليه محور الممانعة، وصولاً إلى جهنّم التي تمّ التبشير بها.

ففي حين يضع المحور حرب غزة فوق كل اعتبار، يبقى أن ما يجري من تحت يتعلق بلبنان، وأيضاً كحلقة من حلقات المشروع، لاستكمال الإنهيار وتسيُّب مؤسسات الدولة، من خلال جولة الشغور لقيادة الجيش، واستخدامها ضربة مفصلية، لها أبعادها ليس على الصعيد اللبناني فقط، ولكن بمواجهة الجهود الدولية الحالية لإيجا