بينما كان الوفد الأمريكي في مؤتمر «كوب 28» في دبي يقود الحملة على قطاع النفط والغاز باعتباره مسؤولاً عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أرقام الإنتاج الأمريكي من النفط والغاز الذي ارتفع بمعدلات غير مسبوقة بنهاية الربع الثالث من هذا العام. وبمستوى إنتاج نفطي تجاوز 13 مليون برميل يومياً، أي أعلى من إنتاج السعودية وروسيا أكبر منتجين في تحالف «أوبك+».

كما ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي الأمريكي بمعدل غير مسبوق ليصل إلى 125 مليار قدم مكعبة يومياً. وأصبحت أمريكا الآن تنتج برميلاً من بين كل ثمانية براميل نفط تنتج عالمياً. وزادت صادرات أمريكا من النفط إلى أكثر من أربعة ملايين برميل يومياً لتصبح ثاني أكبر دولة مصدرة عالمياً بعد السعودية.

ومع ذلك تظل الإدارة الأمريكية تردد أنها ترغب في تبوؤ موقع الريادة في مكافحة التغير المناخي وخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري لصالح الطاقة النظيفة والمتجددة.

ذلك في الوقت الذي توسعت فيه إدارة بايدن في منح تراخيص الاستكشاف والإنتاج في البر والبحر وحتى في مناطق كانت تعتد محميات طبيعية يحظر التنقيب فيها. وهي في ذلك تشبه حكومة بريطانيا ادعت الريادة في مكافحة تغير المناخ حين استضافت «كوب 26» العام قبل الماضي، وقررت مؤخراً توسعة منح تصاريح التنقيب والإنتاج في بحر الشمال وغيره لزيادة إنتاج النفط والغاز.

من أهداف السياسة الخارجية، زيادة حصة الولايات المتحدة من سوق الطاقة العالمية على حساب حصة المنتجين والمصدرين التقليديين. وبالتالي قدرتها على التلاعب بتوازن العرض والطلب وإلغاء أي تأثير لقرارات الإنتاج من جانب «أوبك» وحلفائها.

ليس هذا فحسب؛ بل أيضاً زيادة اعتماد أوروبا، على واردات الطاقة من أمريكا بدلاً من الصادرات الروسية التي تخضع لعقوبات منذ حرب أوكرانيا العام الماضي. فمع تخلي أوروبا عن استيراد الغاز والنفط الروسي، زادت أمريكا على سبيل المثال صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بما يقارب الخمس.

هذا، فضلاً عن الأرباح الهائلة بعشرات المليارات للشركات الأمريكية؛ إذ إن أسعار الغاز المسال أعلى بكثير من أسعار الغاز عبر الأنابيب التي كانت تنقل أربعين في المئة من احتياجات الغاز الأوروبية من روسيا، هناك أيضاً ترسيخ اعتماد أوروبا على أمريكا مصدراً للطاقة.

فكيف تطالب أمريكا وبريطانيا بقية دول العالم بعدم الاستثمار في زيادة إنتاجها لمواجهة تغير المناخ بينما هي تفعل العكس.

بالطبع، من حق كل دولة العمل على تنمية مواردها وزيادة إنتاجها من الطاقة بالطريقة التي تراها مناسبة وتحقق مصالحها. لكن النفاق الأمريكي الحقيقي هو توجيه أصبع الاتهام للآخرين بزيادة الانبعاثات بينما الولايات المتحدة تعتبر أكبر ملوث للبيئة ومصدر انبعاثات الكربون.

وصدق جيف ميركلي عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي حين قال: «إن الولايات المتحدة تفتقد إلى أي أرضية أخلاقية لقيادة خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري». لكن طبعاً كل شيء مباح في السياسة حتى النفاق والخداع بأن تعظ الآخرين بما لا تفعله أنت للدفع بمصالحك على حسابهم.