وكأن فصول تاريخنا الحالي قررت أن تكون فصولًا منفصلة غير متصلة، يلغي كل منها الآخر، أو يلقي بستائر «النسيان» عليها، ولو بشكل جزئي.

نحن الآن نتابع ونتحاور ونختلف حول الحرب في غزة، كلٌ منا يقول رأيه أو مقترحه للخروج من الأزمة، نوجه سهام النقد لمن نتصور أنه يتخاذل، ونحيي ونرفع صورة من يتضامن بالقول أو بالفعل إلى السماء. نقاطع المنتجات، ونمجد أو نذم أبوعبيدة. نبحث عن ملحن أغنية (تحيا فلسطين)، ونتحدث عن «البطيخة» الفلسطينية وكيف صارت رمزًا بديلًا للعَلَم، ثم ننبش في ذكريات الماضي لاستخراج بعض أبطال فلسطين القدامى، لوضعهم كصور حسابات مواقع السوشيال ميديا، أو على جدران المنازل.

نحن الآن لا نتذكر إلا فلسطين، وننسى شعبًا عربيًّا آخر يعاني من الحرب، وهو السودان، الذي اقترب فعلًا من هاوية لا يعلم أحد مداها أو منتهاها. تراجعت أخباره في الصحف والمواقع، حتى صارت نشرات الأخبار تأتي وتذهب دون خبر واحد عنه، وكأنه الفصل الذي انفصل عن تاريخنا هذه الفترة.

السودان المنسي يمر الآن بمرحلة في منتهي الخطورة، حيث احتلت قوات الدعم السريع مدينة «مدني»، وهذا يُعد نقطة تحول فارقة في الأزمة السودانية؛ لأنها تؤدي إلى مزيد من العمليات القتالية في محاولة من قوات الدعم السريع لاحتلال مزيد من المدن طالما سقطت «مدني»، وهي مدينة كبرى بهذه السهولة، دون أي رد فعل عالمي أو عربي.

قوات الدعم السريع استطاعت أن تشل- ولو جزئيًا- مدنًا واقعة في شرق وشمال السودان، ما قد يتيح لها احتلالها، وبالتالي يتحقق ما تحدث عنه قائد قوات الدعم السريع في إحدى تغريداته على منصة «إكس» منذ أيام، بقوله إنه يسعى لتكوين حكومة تأسيسية.

هذا السيناريو الذي تحدث عنه قائد الدعم السريع يعني عمليًّا تقسيم البلاد، وفق منطق القوة والسيطرة، لا سيما في ظل مواجهات مستمرة ومتجددة مع الجيش السودانى في كل مناطق السودان تقريبًا، كذلك في غياب واضح للتغطية الخبرية أو حتى التضامنية.

بالتأكيد نتحدث عن جرائم حرب تُرتكب ضد الأشقاء الفلسطينيين في غزة، دون حديث عن جرائم حرب أيضًا تُرتكب ضد الأشقاء السودانيين، وقد وثقت الأمم المتحدة العديد من تلك الجرائم، وتزايد الحديث على الساحة عن جرائم اغتصاب النساء كإحدى الصور الوقحة للحرب هناك، وللأسف أيضًا في غفلة عن العالم.

ما يحدث في السودان حاليًّا يجعل من السهولة إمكانية انفجار الأحوال بصورة كاملة لتصبح هناك ولايات خارج سيطرة الدعم السريع أو الجيش السوداني، وهنا يبدأ سيناريو تجزئة السودان، وما يستتبعه من انتشار للإرهاب والأمراض والفقر، ليذهب البلد الذي كان يُسمى «سلة غذاء العالم» إلى مصير لا يعلم به إلا الله وحده، وأيضًا في غفلة منا جميعًا، فتذكروه ولا تنسوه.