لا تلوح في الأفق حلول سريعة للحرب في غزة. وذهنية الانتقام لا تزال هي التي تتحكم بقرارات "مجلس الحرب" في إسرائيل، وكل مواقف أعضائه تؤكد استمرار الحرب أشهراً عدة وتطلب من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منحها مزيداً من الوقت.

واعتباراً من أوائل العام المقبل، تدخل الولايات المتحدة في أجواء الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وفريق بايدن يكون منهمكاً في كيفية رفع نسبة القبول للرئيس في أوساط الشعب الأميركي، أكثر من الانشغال بأي طرح سياسي جدي يوقف الحرب في غزة.

وعندما يتحدث المسؤولون الإسرائيليون عن الحاجة إلى أشهر لإنجاز أهداف الحرب، وهي في تعريفهم القضاء على "حماس" عسكرياً وسلطوياً، فإنهم واعون لمحدودية القدرة الأميركية على فرض جدول زمني على إسرائيل لوقف الحرب في سنة الانتخابات. ولهذا السبب بالذات، لن يبخل بايدن بإرسال الأسلحة ولا بحماية إسرائيل في الأمم المتحدة لمنع استصدار أي قرار بوقف القتال.

حتى المباحثات الجارية في الأروقة الخلفية من أجل إنجاز صفقة تبادل جديدة للأسرى، لا تجد حماسة لا في إسرائيل ولا في أميركا. وما يحكى عن مبادرة مصرية تدريجية ليس من السهل إيجاد ترجمة عملية له على الأرض في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي والتركيز على الانتقال من مرحلة إلى أخرى من مراحل الحرب. حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خذل عائلات الأسرى الإسرائيليين، عندما أكد لهم أن الضغط العسكري يساعد على إطلاقهم وليس العكس.

يجري كل ذلك على وقع توترات إقليمية متزايدة، من باب المندب في البحر الأحمر إلى جنوب لبنان مروراً باستئناف الهجمات على القواعد الأميركية في العراق وسوريا، إلى استهداف إسرائيل المستشار البارز في الحرس الثوري رضي موسوي في غارة على محيط دمشق أوائل الأسبوع.

لا تشي هذه التطورات بغير انتظار ساعة الصفر لانفجار أكبر، ينتقل بالشرق الأوسط من حال إلى حال. و"الخطوط الحمر" تبدو سريعة الامّحاء مع كل حدث يجب ما قبله ويشكل تصعيداً جديداً.

ويكتب باتريك كينغسلي في صحيفة "النيويورك تايمز" الأميركية قبل يومين، أنه "كما أدت إخفاقات إسرائيل في الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1973 إلى قلب حياتها السياسية والثقافية رأساً على عقب في نهاية المطاف، فمن المتوقع أن يؤدي هجوم السابع من تشرين الأول وتردداته إلى إعادة تشكيل إسرائيل لسنوات قادمة".

لكن لا يتحدث الكاتب عما ستؤول إليه المنطقة في ظل التأثير الكبير الذي أحدثه 7 تشرين الأول (أكتوبر) على إسرائيل. في عام 1973، فتحت الحرب الطريق إلى فك اشتباك على الجبهات، ومهدت لإبرام معاهدة كمب ديفيد بين مصر وإسرائيل.
لكن في هذه الحرب لا يلوح أي "أفق سياسي" في الشرق الأوسط، ويجد الجميع أنفسهم منخرطين في الرهان على الربح الخالص أو الهزيمة الخالصة، من دون خيارات وسيطة أو مساومات.

الطرف الوحيد القادر على فرض الحلول هو الولايات المتحدة، وهي ليست مهتمة إلى درجة تجازف فيها بمواجهة مع "مجلس الحرب" الإسرائيلي. ولهذا فهي تختار أهون السبل وهو الذهاب إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإقناعه بـ"تجديد" السلطة الفلسطينية وتعيين رئيس للوزراء يملك ديناميكية للتعاطي مع الوضع الناشئ ومع "اليوم التالي" لانتهاء الحرب في غزة.

المسؤولون الأميركيون يدركون في قرارة أنفسهم أن المشكلة ليست في السلطة الفلسطينية التي لم يوفر نتنياهو فرصة إلا وعمل فيها على تهشيمها، ولكن تكمن في إسرائيل نفسها التي كانت هي بسياساتها وبإنكارها حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، السبب الرئيسي الذي قاد إلى 7 تشرين الأول.
الفشل السياسي في إسرائيل وقصر النظر لدى نتنياهو، كانا أكبر من الفشل الاستخباري والعسكري الذي تبدّى يومذاك.