مع اندلاع كل أزمة وبروز تداعياتها، يوجد هناك مَن يستغل الأوضاع الجديدة، وهم المستفيدون من إشعال الحروب والنزاعات وإشغال الدول عن أولوياتها وحماية حدودها.. فتظهر مجاميع تسعى لخلط الأوراق والصيد في الماء العكر. وتبدو القرصنة في وقتنا الحالي أكبر تهديد للملاحة البحرية الدولية، ما دعا الكثير من الدول للبحث في هذه الظاهرة المقلقة، كما انطلقت دعوات من أجل تشكيل تحالف دولي جديد لحماية الممرات المائية الدولية، والحفاظ على الملاحة البحرية التجارية.
والقرصنة البحرية هي أحد أنواع الإرهاب أو الأعمال العدائية وأعمال العنف التي ترتكب في عرض البحر ضد سفينة أو مجموعة من السفن التجارية، بهدف سلب ونهب حمولتها، أو المطالبة بفدية مالية للإفراج عنها أو لاستفزاز دول بعينها. وقد حددت منظمة الملاحة الدولية ثلاثة أشكال للأعمال التي ينفّذها القراصنة: السلب باستخدام أسلحة خفيفة، والسرقة والاعتداء المسلّح المتوسط، إضافة إلى الاختطاف الإجرامي الخطير.
وعلى الرغم من تباين الجهات وراء هذا النوع من الأنشطة، فإن جميع المصادر تتحدث عن القرصنة كظاهرة معروفة، لا سيما في البحر الأحمر، خلال الفترة الحالية، حيث بدأت الاقتصادات تعاني تحمّل أعباء وتكلفة النقل البحري، تجنباً للأخطار في محاولة للتوجه نحو منافذ وممرات أخرى أكثر أمناً.
وتروي دفاتر التاريخ أن بعض المدن والممالك خاضت في فترات من حياتها صراعات مع القراصنة، لا سيما الإمبراطورية الرومانية التي تمكّنت وهي في أوج قوتها من القضاء مؤقتاً على تلك الظاهرة. وحسب المصادر التاريخية أيضاً فقد ظهرت القرصنة في البحر الأبيض المتوسط خلال الألفية الثالث قبل الميلاد، لا سيما في أثناء نمو التجارة البحرية المكثفة بين مصر وجزيرة كريت وفينيقيا. وكان القراصنة يهاجمون السفن المنفردة والموانئ ذات الدفاعات الضعيفة.
ومع أن ظاهرة القرصنة انحسرت أو كادت تختفي في معظم البحار، بفضل التطور الحضاري وتقدم وسائل الاتصال والحماية وغيرها، إلا أنه، وعلى الرغم من وجود منظمات دولية معنية ومحاكم وقوانين دولية ذات صلة ووسائط رصد ومراقبة فائقة القدرة وطيران سريع وأسلحة فعّالة.. فقد عادت أعمال القرصنة البحرية لتطفو على السطح من جديد، لا سيما في مياه البحر الأحمر، في نشاط يضرب بعرض الحائط القانون الدولي للبحار، والقوانين المنظِّمة للملاحة التجارية الدولية. وتشهد هذه الظاهرة تفاقماً في الوقت الحالي، حيث أصبحت بعض المجموعات تجد هامشاً للتحرك، وفرصةً لاعتراض السفن التجارية وحجزها بحجج واهية.. وهو ما يهدد الأوضاع الاقتصادية في العالم بقدر ما يشكل خطراً على سلامة السفن باختلاف أنواعها وهوياتها. وقد عادت في الآونة الأخيرة نشاطات القراصنة، حيث تسببت الموجة الجديدة من القرصنة في إرباك خطوط الملاحة البحرية العالمية.
ووفقاً للتقرير السنوي للمكتب الدولي للنقل البحري، فإن ظاهرة القرصنة البحرية ارتفعت بنسبة 10%، وهي أكبر نسبة منذ عام 2003 حيث تم تسجيل 263 هجوماً على السفن في عرض البحر حول العالم. وتعتبر مياه البحر الأحمر من بين المناطق الأكثر خطورة في العالم، نظراً لأهميته كممر مائي رئيس. وبسبب هذا التهديد الذي تتعرض له حركة النقل البحري فقد تضاعفت تكلفة الشحن ثلاث مرات.
*كاتب سعودي
التعليقات