مع دخوله سنة إعادة انتخابه، يدرك الرئيس جو بايدن، ومعظم المراقبين أن حالة الاقتصاد الأميركي ستكون عاملاً رئيساً في تحديد ما إن كان سيفوز في الانتخابات أم لا. وفي الأثناء، يرى معظم الناخبين أنه لا يوجد مؤشر على رفاهيتهم أفضل من سعر البنزين في محطات الوقود، ومساهمته في الاقتصاد اليومي. وتبعاً لذلك، فإن أسعار نفط منخفضة أو متوسطة ستساعد بايدن، في حين أن ارتفاعها سيضره.

والواقع أن بايدن يواجه وضعاً صعباً، ذلك أن إدارته تُعد زعيمة عالمية ما فتئت تشدد على ضرورة الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري من أجل إبطاء معدل الانحباس الحراري. ومبعوث بايدن الخاص المكلف بتغير المناخ هو وزير الخارجية السابق جون كيري، الذي يسافر حول العالم من أجل حضور المؤتمرات، والمطالبة بمزيد من السياسات «الخضراء» من أجل إنقاذ الكوكب. لكن المثير للسخرية هو أن الولايات المتحدة أصبحت الآن المنتِجَ الأول في العالم للنفط والغاز الطبيعي والنفط المكرر، إذ يبلغ إنتاج النفط الحالي أكثر من 13 مليون برميل يومياً. كما باتت الولايات المتحدة واحدة من أكبر أربع دول مصدّرة للنفط. وبفضل التكنولوجيا الجديدة ودمج الشركات، أضحت صناعة النفط والغاز الطبيعي الأميركية قادرة على خفض تكلفة الإنتاج، ما يجعل منتجاتها جذابة، ومرغوبة في الأسواق الدولية.

ومثل هذه الإحصائيات كان معظم القادة الأميركيين سيتباهون بها، وذلك بالنظر إلى أنه قبل عقد أو نحو ذلك كان المتشائمون يتوقعون ازدياد اعتماد الولايات المتحدة على واردات الوقود الأحفوري الأجنبي، الأمر الذي من شأنه زيادة اعتماد البلاد على التدفق الحر للنفط من الخليج وأميركا الجنوبية. غير أن بايدن وإدارته ظلا صامتين على نحو لافت بشأن هذه الإحصائيات الباهرة. وفي الأثناء، ما انفك «الجمهوريون» ينتقدون بسبب القيود التي يفرضها بايدن على مناطق من الولايات المتحدة يمكن فتحها في وجه مشاريع جديدة لتطوير النفط.

وفي هذا الإطار، يؤكد دونالد ترامب أنه سيشجّع عمليات الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في اليوم الأول من عمر إدارته الجديدة في حال أُعيد انتخابه. وهذه كلمات يحب أنصار ترامب سماعها. وبشكل عام، فإن الجمهوريين أقل قلقاً من الديمقراطيين بشأن مخاطر تغير المناخ، والدور الذي تلعبه انبعاثات الكربون الناتجة عن الوقود الأحفوري في حدوث الانحباس الحراري.

وبالمقابل، فإن «الديمقراطيين»، خاصة الناخبين الأصغر سناً، يأخذون تغير المناخ على محمل الجد، ويؤيّدون بشدة الجهود العالمية الرامية إلى الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري. وهؤلاء تحديداً هم الناخبون الذين يحتاج إليهم بايدن من أجل الفوز في نوفمبر المقبل. هؤلاء الناخبون المحتملون يدعمون أيضاً حق المرأة في الاختيار في ما يتعلق بالقضايا الصحية، خاصة الإجهاض، ويشعرون بالقلق إزاء الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ذلك دعم بايدن القوي لإسرائيل في حرب غزة أدى إلى استياء ونفور عدد كبير من الناخبين المسلمين الذين قد يصوّتون الآن لحزب ثالث، أو ربما يؤْثرون البقاء في بيوتهم والامتناع عن التصويت.

وبعبارة أخرى، فإن جزءاً مهماً من كتلة بايدن الناخبة يشعر بالانزعاج بسبب سياستيه في مجال الطاقية والخيارات الخارجية. ومن غير الواضح ما إن كانت التنازلات التي قُدمت بشكل مؤلم بخصوص تغير المناخ والوقود في مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين لتغير المناخ «كوب 28» ستكون مقبولةً وكافية بالنسبة للناخبين الديمقراطيين الشباب الذين يؤمنون إيماناً قوياً بضرورة بذل مزيد من الجهود لإبطاء الانحباس الحراري.

وعليه، فإن الكيفية التي سيوفِّق بها بايدن بين رسائل إدارته المتضاربة بشأن الوقود الأحفوري وتغير المناخ ستكون واحدة من الصعوبات العديدة التي سيتعين عليه مواجهتها خلال الأشهر المقبلة. على أن التحدي الذي يواجهه سيزداد تعقيداً في حال توسّعت الحرب في الشرق الأوسط وامتدت إلى البحر الأحمر وما بعده ليصبح لها تأثير خطير على سوق النفط العالمية، وبالتالي تأثير على أسعار الوقود بالنسبة للناخبين الأميركيين أنفسهم.