يلاحظ الأكاديمي والناقد السعودي البارز د. سعد البازعي أن الاشتباك بين الرواية والمدينة في بلدان الخليج والجزيرة العربية يكاد يفوق في وضوحه ما حدث في بيئات كثيرة أخرى. ويقدم البازعي تفسيراً مهماً لذلك ينطوي على قدر كبير من الوجاهة، يكمن في ما أطلق عليه «القرب الزمني لعملية التمدّن نفسها»، من زاوية أن عملية التحديث قريبة عهد تاريخياً إذا ما قيست بنظيراتها في بلدان عربية أخرى كمصر وبلاد الشام، إذا ما تحدثنا عن المشرق العربي، وهذا ما جعل الرواية في الخليج والجزيرة العربية «تتوازى مع المدنيّة من حيث حداثة التطور».
بحث البازعي نُشر في كتاب «المدن العربية بين العراقة والاستدامة»، الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، ونرى أنه من أهم الكتب التي تناولت موضوع المدينة العربية من الأوجه المختلفة لباحثين من مختلف الأقطار العربية، وتناول علاقة المدينة بأمور التاريخ والهوية، محو الذاكرة وإحياء التراث، المستقبل، وأخيراً المدينة العربية في المخيال الروائي، وهو المحور الذي جاء البحث موضوع الحديث فيه.
ثنائية المدينة والرواية موضوع بُحث كثيراً، وذائعة الصيت عبارة الناقد المجري جورج لوكاش: «الرواية ابنة المدينة»، وإن كنا نحسب أن لوكاش لم يقصد أن المدينة هي وحدها فضاء الرواية، ولكنه قصد، كما نرجّح، أن نشوء المدينة وصيرورتها، هما اللذان اقتضيا ظهور جنس أدبي، بانورامي، جديد هو الرواية بديلاً عن الملحمة مثلاً.
لذلك، فإن الوقوف عند حضور المدينة الخليجية في روايات أبرز روائيي المنطقة على غرار ما فعل البازعي، أمر مهم وجدير بالبحث فيه، فهو ضرورة ليس فقط للتعرف على أعمال روائية مهمة لكتّاب من الخليج والجزيرة العربية، خاصة في الفترة الممتدة من تسعينات القرن الماضي، «وهي الفترة التي وصلت فيها الرواية بالمنطقة إلى مستويات تنافسية عالية في المشهد الروائي العربي»، دون أن ينفي ذلك أن المدينة حضرت في روايات خليجية أخرى قبل تلك الفترة، حتى لو لم تحظ بالصيت الذي تستحقه.
يتناول الباحث الموضوع من أكثر من جانب، واتخذ من أعمال لروائيين من السعودية والكويت وسلطنة عمان أمثلة أو نماذج لإيضاح أطروحاته حول نشوء وتطوّر الرواية في منطقتنا، ومع عدم تجاهل بعض الخصوصيات بين بلد خليجي وآخر، بل أحياناً داخل البلد نفسه، فإن البازعي يرى، محقاً، أن المشتركات وأوجه التشابه أوسع بكثير، بل إن من المدن في بلد خليجي ما يحضر في روايات بلد آخر مثل حضور البحرين في رواية «شارع العطايف» للسعودي عبدالله بن بخيت، والكويت في رواية «سيّدات القمر» للعمانية جوخة الحارثي. وللحديث تتمة آتية.
التعليقات