في المناظر الطبيعية المكسوة بالثلج المتكسر في دافوس، سويسرا، يتكشف لنا مشهد عالمي عالي الكثافة، يلتقي آلاف القادة العالميين، مدثرين بالمعاطف السميكة، لحضور الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، هواء مشحون بالترقب كعادته في هذه المدينة الهادئة التي تضج اليوم شوارعها وطرقها الجانبية بخطى أكثر الشخصيات العالمية تأثيراً. موضوع المنتدى هذا العام هو (إعادة بناء الثقة)، معلقة مثل لافتة فوق المدينة الصغيرة التي يسكنها عشرة آلاف مقيم، حيث تدور المناقشات العميقة والرؤى الرائدة كل عام.
على هامش المنتديات العامة والخطب المعدة مسبقاً، تتكون قصة أخرى أكثر تشويقاً، خلف الأبواب المغلقة للفنادق الفاخرة وغرف الاجتماعات الخاصة، يندمج الحاضرون في مناقشات أكثر صراحة وتأثيراً، يتركز وراء الأبواب المغلقة نقاش حول الأحداث الشائكة لهذا العام: الحرب الكارثية التي تشن على غزة، والآثار المترتبة على الذكاء الاصطناعي، ومستقبل أوكرانيا المجهول.
يكمن جوهر دافوس في الاجتماعات غير الرسمية التي تقع بعيداً عن أعين الجمهور، حيث يتخفف القادة من الأعباء الرسمية، يشرحون القضايا الحرجة ويناقشونها بحرارة بعيداً عن المسرح العام. في هذه الزوايا الخفية من دافوس، يكتب السرد الحقيقي للمنتدى الاقتصادي العالمي، حيث القرارات والسياسات التي يصل صداها أبعد من القمم المغطاة بالثلوج في سويسرا.
وسط المحادثات التي يهيمن عليها الذكاء الاصطناعي وفي خضم الحضور الكبير حيث تتكرر الأسماء المتوقعة ثمة وجه جديد يلفت الأنظار: الشركة الفرنسية الناشئة ميسترال ذات الأشهر التسعة. يجتمع الرؤساء التنفيذيون من غوغل ومايكروسوفت والذكاء الاصطناعي المفتوح، وهم ينظرون بعين الإعجاب والحذر لهذا المنضم حديثاً إلى نادي الكبار.
الاهتمام المتزايد بتقنية ميسترال هذا العام يغير المشهد، فهي الشركة التي تحدت الاعتقاد السائد أن سباق الذكاء الاصطناعي منحصر في شركات محددة. فمع صعود ميسترال، لا سيما في أوروبا، توقد شعور باحتمالات المستقبل الواعدة، حيث إن الفرصة ما زالت مواتية لاقتطاع حصة كبيرة من سوق الذكاء الاصطناعي الذي يتوسع بسرعة مذهلة. ويزدهر هذا الشعور بسبب الانخفاض المطرد في تكاليف تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث ملعب المنافسة مفتوح بأبواب الابتكار التي كان من المعتقد أنها أقفلت بأيدي عمالقة التقنية القدماء.
فتحت ميسترال تقنيتها للعالم في اتجاه قوي نحو جعل تقنيات صناعة الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، نموذجها الذي تهدد به الشركات الكبرى هو توسعة نطاق تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي إلى أبعد مدى حتى تقدم خدماتها للراغبين في تطوير نماذج خاصة بهم، يتيح نموذج عمل ميسترال للجهات المراقبة والحساسة مثل البنوك وأجهزة الأمن بتجربة الذكاء الاصطناعي دون أن يتطلب منها استثمار كبير مسبقاً. ما عملته ميسترال هو ما يعمله مطورو البرمجيات منذ عقود، كشف السر البرمجي المخبأ في الصناديق السود ليرى النور من كل مكان.
التعليقات