منح الله العالِم الإنجليزي (إسحاق نيوتن) عبقرية فذة وموهبة عظيمة، وهو ما مكنه من صياغة قوانين الحركة التي غيرت المفاهيم السائدة، وجعلت العالَم يعيش على قوانينه تلك ويفيد منها حتى يومنا هذا.
من أشهر قوانين نيوتن قانونه الثالث الذي ينص على أن «لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه»، وهذا القانون تلقَّاه العلماء الطبيعيون بوصفه قانونًا لا يقبل النقض ولا المراجعة، ولا يقبل القراءات المتعددة والتفسيرات المتباينة التي تختلف باختلاف الزوايا التي يُنظَر إليه منها، وباختلاف الظرف الزماني والمكاني، وباختلاف الفهم لمضامين القانون ومقاصده، وباختلاف السياق التاريخي الذي ظهر فيه هذا القانون. لكن، وحتى نخرج من حيز الشروحات والتأويلات التراثية والتقليدية التي توارثتها الأجيال من علماء الطبيعة، ولم تستطع الخروج من ربقتها، فإنني سأعمد إلى قراءة هذا القانون وتفكيكه وفق نظرة لا تخضع للسائد والمألوف، قراءة تتوافق مع ما تقتضيه راهنية العصر ومتطلباته، قراءة تأخذنا بعيدًا إلى أغوار القانون التي لم يتوصل إليها أحد من قبل، قراءة تنظر للقانون بوصفه منتجًا بشريًّا قابلًا للقراءات المتعددة والتأويلات المتباينة؛ وليس له صفة القداسة، وبالتالي يخضع لسلطة القارئ وقراءاته.
يقول نيوتن: «لكل (فاعل) ردة (فاعل)»، وهو ما يعني أن الفاعل هنا لا يخرج عن أن يكون ذا روح (إنسان أو حيوان أو طائر أو حشرة)، فأنت ترى الإنسان (أ) إذا ما اعتدى على الإنسان (ب)، قام الإنسان (ب) بردة (فاعل) معاكسة، وهو ما ينطبق كذلك على الحيوان والطيور والحشرات، أما الجمادات فلا تدخل -بوصفها جمادات- في حيز هذا القانون، وبهذا نستطيع أن نتخطى الشروحات والتأويلات التراثية التي لم تحدد جنس الفاعل، وإنما تركته مشاعًا بين الكائنات الحية والجمادات، وهو ما أركسنا في قراءات مقيدة وضيقة. يقول نيوتن كذلك في هذا القانون ما نصُّه: «مساوية له في (القَدْر) ومعاكسة له في الاتجاه»، بمعنى أن الردة الفعلية على الفعل تكون مساوية له في (القَدْر)، أي القيمة المعنوية، وليس القوة المعاكسة.. إلخ.
أما بعد: فما قرأتموه في صدر المقال من هرطقات وشروحات فاسدة بل وقراءة خاطئة لمفردات قانون نيوتن (فاعل بدلًا من فعل - القَدْر بدلًا من المقدار)، هو بعينه ما يمارسه بعض مَن يُطلقون على أنفسهم (مفكرين) مع القرآن الكريم، الفارق هنا أنني مارست هذه الهرطقات مع (نص بشري)، وهو ما يعني أنني ارتكبت جريمة -وهي فعلًا جريمة- لكنها بحق نص بشري، أما أولئك المفكرون فقد مارسوا هرطقاتهم مع الوحي الإلهي (القرآن الكريم)، وهذا الأمر سبق أن بينته في مقالٍ لي بعنوان: (مفكرون عرب.. يجهلون القرآن ويناقشون قضاياه!)، وحبذا العودة إليه؛ ففيه بيان وتوضيح للمسألة.
مشكلة البعض أنه يرى أن هرطقتي لا تغتفر، وهرطقة أولئك تغتفر، بحجة أن النص المقدس بحاجة لقراءات جديدة ومختلفة بعيداً عن القراءات التراثية، مع أن كلا الهرطقتين تنطلقان من منطلق واحد، وهو الجهل بالنص، (القرآن الكريم وقانون نيوتن)، والاعتماد على الأهواء في الشرح والتفسير.
التعليقات