يمثل العام المقبل فرصةً للتطلع إلى الأمام والتنبؤ بما قد يحدث في عالم العلوم والصحة، حيث من المتوقع أن تدخل كبرى شركات التكنولوجيا في سباق الصحة الرقمية والرعاية الصحية الافتراضية والتطبيب عن بُعد بما في ذلك التشخيص، وسيحتل تطبيق الصحة العقلية المقدمة في هذا السباق مع حدوث إندماجات مؤسسية عديدة لمواكبة التطورات التقنية وخاصةً الذكاء الاصطناعي المدرك للذات، وسيتناقص الاهتمام العام بجائحة كورونا والأموال المخصّصة للبحث فيه مقابل التركيز بصورة أكبر على تداعيات كوفيد-19 طويلة الأمد على البشرية، والمزيد من اللقاحات والعلاجات التي ستصطدم بتفشي فيروسات أخرى، وهو الأمر الذي يتطلب تأهباً أفضل للجائحات القادمة، وطريقة تفكير في إدارة ما قبل الأزمة أو الكارثة كنهج استباقي تقدمي.

لمواجهة التحديات القادمة سنحتاج حتماً لأساليب ومنهجيات عمل مختلفة عن الطريقة التقليدية لإدارة الأزمات وتداعيات الكوارث الطبية والصحية، والتي من الضروري أن تستمر كذلك. ولكن الاستباقية ستكمن في التحول إلى الإدارة الذكية والتفاعلية للطوارئ الصحية، والبيانات الصحية كمنظومة عمل شمولية لا تغفل أي جزء من صحة الإنسان الجسدية والنفسية والعقلية والروحية كإطار مشترك للصحة والتطبيب المتكامل، الذي تكون فيه الوقاية بكل ركائزها حجر الأساس إلى جانب مراكز تفكير لتلك المنظومة لا تقل عن نظرائها في التخصصات الأخرى، وهي نقطة الضعف التي واجهها العالم أجمع في ظل الجائحات وتبعات العنف المناخي، والمخاطر الأخرى التي تتشابك في كتلة ثلج تتدحرج دون توقف لتقليص الوجود البشري على كوكب الأرض، وهو ما يجعل النهج التقليدي شهادة وفاة لمكتسبات الدول والمجتمعات وما وصل إليه الإنسان من تقدم ليومنا هذا.

ستبرز في العام القادم بصورة أكبر قضايا الصحة النفسية إلى شبكة عقاقير نفسية جديدة لكل اضطراب نفسي، وستكتسب تلك المواد الكيميائية شرعية أوسع في مختلف القارات وقد تكون تلك العلاجات «فقاعة الضجيج»، وهو أمر آخر تخلّفه الجائحات والكوارث وطرق أخرى لجني الأموال بصورة غير مسبوقة لشركات الأدوية العملاقة، وتكتلات الكارتيلات في بعض صناعات الأدوية والعقاقير.

كما سيلعب الذكاء الاصطناعي التوليدي دوراً حيوياً في الرعاية الصحية وخاصةً رعاية المسنين، والحلول المبتكرة التي تمكّن كبار السن من البقاء في منازلهم لفترة أطول بدلاً من شغل مساحة في المستشفيات ودور العجزة ودور رعاية المسنين، وسيكون هناك أيضاً تركيزاً متزايداً على التقنيات البيوتكنولوجية وتطوير علاجات جديدة للأمراض التي تحدث على وجه التحديد في سن الشيخوخة، وتشكل ضغطاً على أنظمة الرعاية مثل مرض الزهايمر ومرض باركنسون، كما ستبرز الطباعة ثلاثية الأبعاد في صناعة الأعضاء وطباعة الأدوات والأجهزة حسب الطلب، بما في ذلك الأدوات الجراحية وزراعة العظام أو الأسنان والأطراف الصناعية.

ومن جهة أخرى سنرى التقارب بين تقديم الرعاية الصحية العقلية والبدنية، وخدمات الطب الشخصي وخطط علاجية مصممة خصيصاً لكل مريض، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الحمض النووي للمرضى لتشخيص وعلاج الأمراض وإنشاء أدوية مخصّصة لأشخاص محددين، وارتفاع نسبة الاعتماد على مساعدي الرعاية الصحية الافتراضية وروبوتات الدردشة لتقديم المشورة بشأن العلاج والتشخيص والأدوية.

من جانب آخر، ستبرز التوأمة الرقمية وتطبيقات المحاكاة الطبية ونمذجة تأثيرات التغيرات في العلاج والأدوية واختيارات نمط الحياة على المريض.
ولعل التوأم الرقمي الأكثر تعقيداً الذي يمكن تخيله حالياً هو توأمة الدماغ البشري، والذي يأمل الباحثون في تطويره في عام 2024 إلى جانب المستشفيات الافتراضية التي تعمل بتقنية إنترنت الأشياء، والتطبيب عن بُعد والرعاية الصحية الوقائية واستخدامات الواقع الافتراضي والمعزّز في الرعاية الصحية، والذي أثبت فعاليته واقعياً في بعض الحالات الصحية، واللائحة تطول لما هو قادم وصولاً للقاحات الفعّالة التي ستنتج في غضون شهور قليلة بمساعدة التقنيات خارقة الذكاء.
*كاتب وباحث إماراتي في قضايا التعايش السلمي وحوار الثقافات