في غزة تم استهداف 200 موقع أثري وتراثي منذ 7 أكتوبر 2023 من الجيش الإسرائيلي المحتل، رغم علمه بإحداثيات تلك المواقع، وهدّم بالكامل الجامع العمري الكبير وهو أقدم مسجد (1281م) في جباليا، كما هدم قصر الباشا المبني منذ عام 1277م.
ليس اجتهاداً القول إن إسرائيل تتعمد مسح البنية التحتية لغزة «كي تصبح أرضا صحراوية غير قابلة للحياة»، كما قال مندوب فلسطين لدى اليونسكو منير أنسطاس، وليس سلوكا مستغرباً أن تستميت إسرائيل في «مسح الذاكرة الفلسطينية» كي ينسى الشعب ماضيه وهويته، كما أوضح المهندس المعماري وليد خلف، المهم ماذا نحن فاعلون لحماية الممتلكات الثقافية والمواقع الأثرية التي قام هذا الكيان بهدمها في حربه الضروس في قطاع غزة؟
هل «اليونسكو» لديها الصلاحيات وقادرة على القيام بهذا الدور؟ ومن يكفل حماية المواقع التراثية والآثار التاريخية في حال الصراعات المسلحة؟ ماذا فعلت «اليونسكو» تجاه ما دمره «داعش» والتكفيريون من مواقع أدرجت على لائحة التراث العالمي في سورية؟ وماذا حصل كما يطرح السؤال الخبير باليونسكو الدكتور وليد السيف مع الآثار والمواقع التراثية التي تعرضت للسرقة أو التدمير في العراق واليمن وليبيا؟
لقد قامت إسرائيل بسرقة أقدم نسخة من التوراة باليمن بعملية «بلطجة» ولم تستطع أي جهة استرداده، وأميركا عندما نهبت بعض الآثار العراقية لم يكن لليونسكو أي دور بل يعود الفضل في استردادها إلى اتفاقيات وتعاون ثنائي بينهما.
«اليونسكو» تبقى جهة إشرافية لا تملك «صلاحية الحماية»، هي تدين وتستنكر وتشجب، ويمكن أن تبلّغ العالم بما حصل، كما يشرح الدكتور حسن جاسم أشكناني، أستاذ الإنثروبوليوجا وعلم الآثار في جامعة الكويت، تماماً كما هي حال، المجلس العالمي للمتاحف، الذي يُعنى بالآثار فهو أيضاً جهة إشرافية ودور استشاري ودعم لوجستي.
وقصة العلاقة بين «اليونسكو» وفلسطين تحتاج إلى إنعاش الذاكرة، فالكويت كان لها دور فاعل ومؤثر في واقعتين: الأولى عندما اقترحت منح فلسطين عضوية كاملة وكانت ممثلة بمندوبها الدائم د. مشعل حيات، والثانية عندما نجحت مع لبنان وتونس في إبقاء المدينة القديمة في القدس وحائط البراق ضمن قائمة التراث العالمي المعرض للخطر عام 2016. صحيح أن إسرائيل وأميركا انسحبتا من «اليونسكو» بعد قبول فلسطين عضواً كاملاً، وتسبب ذلك بأزمة مالية كبيرة، بسبب أن 22% من الميزانية كانت تدفعها أميركا، إلا أن هذا الانسحاب حرم العالم والفلسطينيين القدرة على مقارعتها في هذه المنظمة الدولية.
وحتى يفهم الكلام جيداً لا شك أن «اليونيسكو» لها حضور ودور بالغ الأهمية في حفظ وصون التراث العالمي، لكننا نتحدث عن واقع مرير، وهو أن إسرائيل سواء بقيت عضويتها أو لم تبق، لن تكترث لتلك القرارات ولم يكن للشرعية الدولية أي مكان في قاموسها السياسي سوى أنها نالت الانتساب إلى الأمم المتحدة «ككيان» معترف بها دولياً، أما عدا ذلك فكل القرارات كانت حبراً على ورق!
الدعوات الجنائية وفقاً لمندوب فلسطين يمكن تقديمها من ثلاث جهات إما من الدول الأعضاء المعنية أو من الجمعية العامة للأمم المتحدة أو من مجلس الأمن، ففي غزة تم استهداف 200 موقع أثري وتراثي منذ 7 أكتوبر 2023 من قبل الجيش الإسرائيلي المحتل رغم علمه بإحداثيات تلك المواقع، وهدم بالكامل الجامع العمري الكبير وهو أقدم مسجد (1281م) في جباليا، وهدمت قصر الباشا والمبنى منذ عام 1277م.
وبالفعل سجلت فلسطين في أرشيفها الذي أودعته «اليونيسكو» قائمة بالمواقع الأثرية، منها مواقع أدرجت على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي (ميناء غزة– تل أم عامر– محمية طبيعية في وادي غزة)، إضافة إلى مواقع مدرجة على لائحة فلسطين القومية مثل: كنيسة بروميثيوس، وقصر الباشا، والمسجد العمري الكبير، وقلعة برقوق، وغيرها من المواقع. إعادة إعمار غزة ستطرح على الطاولة قريباً، وبالتأكيد سيكون لتلك المواقع التراثية مكانة خاصة لما تمثله من هوية تراثية وحضارية لفلسطين والشعب الفلسطيني، يجب التمسك بها إلى آخر يوم في الدنيا.
التعليقات