قرار محكمة العدل الدولية الأخير ضد إسرائيل الذي يؤكد ما تقوم به من جرائم وحشية ضد الشعب الفلسطيني في غزة وفي أنحاء فلسطين جاء هزيلاً كما كان متوقعاً، بل أقل في مفاعيله التي لا تغني ولا تسمن من جوع. وعلى أي حال فقد جاء كأضعف الإيمان للمجتمع الدولي ممثلاً بمحكمة العدل الدولية التي اقتصر قرارها على تأكيد تلك الجرائم الوحشية، ومطالبة إسرائيل بوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها هذا الشعب البائس، وتأكيد ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية الفورية.

وعلى الرغم من إقراره بأغلبية ساحقة بناءً على الدعوة المرفوعة من دولة جنوب أفريقيا ضد انتهاكات إسرائيل في حربها على حركة "حماس"، إذا بالأخيرة تنتقم من الشعب الفلسطيني بأكمله وتعمل على إبادته بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة في العالم. وإذا ما أردنا أن ننظر إلى هذا القرار من ناحية أخرى، أي ناحية المراقبين السياسيين والمتابعين لشؤون المنطقة من بعيد، ومن جانب عدد القرارات التي صدرت في الماضي ضد إسرائيل في المحافل الدولية، وعلى رأسها بطبيعة الحال منظمات الأمم المتحدة وهيئاتها، نقول بأن هذا القرار هو قرار تاريخي، إذ جاء ليتصدى لمحاولات إسرائيل عرقلة صدوره بهذا الشكل مع حرص أطراف أخرى موالية للكيان الصهيوني على عدم المسّ بهذا الكيان بأي ضرر. ومع ذلك جاء القرار ليؤكد سياسة العدوان الإسرائيلية في المنطقة والعربدة وسفك الدماء ضد الفلسطينيين من دون تمييز.

وأيضاً، فإن انعكاسات هذا القرار تضع إسرائيل في خانة وحيدة في المجتمع الدولي منبوذة، مكشوفة بما تفعله في المنطقة من عربدة وإهلاك للحرث والنسل، وفي موقف حرج أمام شعبها أولاً وأمام الشعوب والدول الأخرى، وخصوصاً تلك التي أقامت علاقات معها في السابق، ويجعلها تعيد النظر في تلك العلاقات، وهو الأمر الذي يوضح الموقف في المنطقة للكثيرين.

ومن جانب آخر، تجدر الإشارة إلى إشادة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي معالي السيد جاسم البديوي، في بيان أصدرته الأمانة العامة للمجلس، إلى أن قرار محكمة العدل الدولية ضد الكيان الإسرائيلي المحتل يؤكد جرائمه الوحشية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ما يؤكد اجتماع الرؤية في العالم على هذه القضية والحرب التي دخلت في منحى جديد يهدد المنطقة والعالم عامة.

وبنظرة عامة نجد أن قرار محكمة العدل الدولية يأتي متوافقاً مع القوانين والمعاهدات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين العزل وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة، والتي لم تطبق إسرائيل أياً منها في السابق، ولن يتغير الموقف الحالي لهذا الكيان نحو أن يلتزم بالقرارات الحالية إن لم تكن هناك قوة فرض حقيقة في العالم تجبر هذا الكيان الذي يدمر المنطقة والعالم باعتداءاته المتواصلة على الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب.

وفي تقديرنا الشخصي نقول بأن استمرار هذا الكيان بممارساته قد يدخل المنطقة، بل العالم بأسره، في مرحلة جديدة تشكل خطراً كبيراً على الأمن والسلم الدوليين، إذ نرى اليوم اتساع نطاق الحرب على غزة يوماً بعد يوم لتشمل مناطق أخرى وتؤثر على الاقتصاد العالمي، في ظل استمرار العدوان وتوقف الحياة الاقتصادية أو على الأقل تأثر جزء كبير منها.

إن وقفة حاسمة مطلوبة من الدول الفاعلة في الأمم المتحدة للحد من تصرفات الكيان الإسرائيلي، وأن يدرك هذا الكيان أن الوقت حان للجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل على قاعدة الدولتين حلاً دولياً شاملاً افتقدته منطقة الشرق الأوسط طويلاً وعلى مدى 75 عاماً مضت، وقد حان الأوان ليتغير وجه المنطقة للأفضل ويتغير نحو فرض السلام ونزع السلاح.

فمن وجهة نظر اقتصادية بحتة، وإذا ما أجرينا حسبة متواضعة بعيداً من الأرقام الحسابية، نجد أن ثمن الحرب يفوق ثمن السلام، بمعنى أن إرساء السلام سوف يعود على المنطقة بالخير والأمان، وذلك وفق قرارات الأمم المتحدة العادلة لحل الأزمة التي طال أمدها في منطقة الشرق الأوسط، فما المانع من أن تنعم هذه المنطقة بالسلام. ومن ناحية أخرى أيضاً نقول بأن القرار الأخير لمحكمة العدل الدولية قد يكون القرار الأخير في سلسلة القرارات التي تطالب إسرائيل بطريقة غير إجبارية. وقد يكون الخطر عليها أكبر في المرحلة المقبلة نظراً إلى دخول أطراف جديدة في هذه الحرب وتوسعها بطريقة تنذر بدخول الحرب مستوى آخر غير محمود العواقب، فما يقوم به الكيان الصهيوني بلغ حداً غير مقبول أبداً. كما أن محكمة العدل الدولية لا يمكنها الاستمرار بإصدار قرارات كهذا القرار من دون قيمة تذكر سوى إبراز عدوان الكيان الصهيوني وعربدته في المنطقة.