ألا تحتاج نوادر التراث وقصص الأمثال، وما شاكلها، إلى نظرات فاحصة لغربلتها وتنخيلها؟ بالمناسبة، التنخيل لا يخلو من فضيحة غذائية. لا بأس، نستطرد قليلاً: هل تذكر مجلة «طبيبك»؟ صاحبها الدكتور صبري القباني، له كتاب مفيد وطريف، عنوانه: «الغذاء لا الدواء»، يذكر فيه أن العرب يغذّون حيواناتهم بما هو أفضل ممّا يتغذّون عليه. يعطونها النخالة، بينما ثروة الحنطة والشعير في نخالتهما، الكولاجين، فيتامين «أ» و«ب»... وتعلف البرسيم الذي لا توجد نبتة هي صيدلية فيتامينات مثله، لذلك لا تمرض الحيوانات وتعمل بنشاط وبلا كلل طوال اليوم، وتنام بسرعة، وتُفيق خفيفة الظل عند السَّحَر.
قصص الأمثال تُعشّش فيها أساطير الأولين وتفرّخ. الكثير منها مصنوع صناعةً أدبيةً متقنة، لكن مع تصنّع وتكلّف. تدريسها يجب بحثه من حيث هي تراث أم لا؟ ويتناقلها الناس عبر الصدور وطبعات الكتب، وفي زوايا التراث في المطبوعات، وبرامج الإذاعة والتلفزيون. خذ مثلاً المثل الشهير: «وافق شنٌّ طبقة». القصة تتحدث عن «رجل من دهاة العرب اسمه شنّ»، لا شيء عنه غير المثل. الشنّ في اللغة، القربة، المشهود لها بالذكاء والنبوغ! حين عزم على الزواج أراد زوجةً ألمعيةً مثله، وبينما هو في ترحاله صادف رجلاً صار رفيق درب. قال له شنّ: «أتحملني أم أحملك»؟ فاستحمقه الرجل قائلاً: يا جاهل كلانا راكب، فكيف أحملك أو تحملني؟ هذا دليل على أن السؤال لم يكن شائعاً بين العرب في الحياة اليوميّة، فلا معنى لهذا البطر اللغوي.
في الطريق، مرّا بزرع، فسأل شنّ: أترى هذا الزرع قد أكله أهله؟ فقال: يا جاهل، الزرع أمامك فكيف يكون قد أكل؟ منطقيّاً: من أين لرجل مسافر أن يعلم أن أصحاب الزرع قبضوا ثمنه وأنفقوه فكأنهم باعوه قبل حصاده؟ التشويق واضح في التأليف، عندما دخلا قرية، رأيا جنازةً، سأل شنّ: أترى صاحب النعش حيّ أم ميّت؟ فتعجب الرجل من جاهل يظن أنها جنازة حيّ. كيف عرف أنها جنازة رجل، لا امرأة؟ وكأن نساء القرية خالدات؟ ثم هل كان المشيّعون يحملون لافتات عليها سيرة ذاتية للميت؟ والمقصود: هل ترك الميت خلفاً يُحيي ذكره؟
ختاماً، أصرّ الرجل على استضافة شنّ في بيته، لعلّه عاشق جهّال وأغبياء. ابنته اسمها طبقة، روى لها ما جرى من الألغاز، فقالت: يا أبتِ، ما هو بجاهل، وفسّرتها له، فخرج إلى شنّ وأخبره، فلم يصدّق أنه هو المفسّر، فاعترف بأن ابنته فكّت الرموز، فسحرته فطنتها، فخطبها وتزوجها.
لزوم ما يلزم: النتيجة الميراثية: الإرث ليس رواية شرقية.. بختامها يتزوّج الأبطالُ.
التعليقات