بدون مقدمات...

الخطر الذي يتهدد اليوم المجتمعات المعاصرة هو انفجار الهويات الخصوصية؛ التي من شأنها أن تفكك الأوطان من الداخل!

للهوية دوران؛ أحدهما إيجابي يتعلَّق بالوحدة الثقافية والاجتماعية للدولة وبرابطة المواطنة والولاء للوطن... وثانيهما سلبي يتعلق بالنزعات القبلية والطائفية والمناطقية والرياضية؛ التي قد تضعف الكيان القومي وتؤدي إلى انتكاسة رابطة المواطنة والولاء للدولة.

ولنأخذ مثالاً الرياضة، وبصفة خاصة كرة القدم التي أصبحت اليوم حديث الشارع والاهتمام الأهم لدى شبابنا!

في الرياضة يتجسَّد شعور الولاء للوطن حيث تعد كرة القدم بالنسبة لعلماء الاجتماع من دعائم الهوية الوطنية الجماعية، ولكنها بنفس الوقت يمكن أن تكون باباً خفياً للتعصب والانحياز، فتكون خطراً على استقرار الدول!

فقد أثبتت التجارب أن كرة القدم كانت في بلاد نشأتها ببريطانيا قوة دافعة نحو الاندماج الوطني وتدعيم الوعي الجماعي، كما نلمس الظاهرة نفسها في بلدان أمريكا اللاتينية، رغم تنوع مكونات نسيجها الوطني وتباين عناصرها السكانية.

وفي بلدان أخرى كذلك، كانت الرياضة وسيلة لظواهر العنف والتمرُّد والفوضى، وناقوس خطر دق للإعلان عن أزمة هوية! فما حدث في إيطاليا في العهد الفاشستي ما بين الحربين، وشاهدناه في بعض مباريات كرة القدم الإنجليزية والعربية وآخرها ما حدث بين مصر والجزائر ودور الالتراس في هدم علاقات بين دول!

ما نشهده في هذا العهد الزاهر هو طفرة كبرى في المجال الرياضي، ولكننا نتمنى أن يكون الشغف بكرة القدم كمثال هو دعامة لتوطيد الهوية الوطنية الجامعة، لا مناسبة لإحياء وتأجيج الهويات الإقصائية الضيقة التي هي الخطر الأكبر على وحدة الوطن وعلى مفهوم المواطنة...

وأنا هنا لا أبالغ بوصفها...

نحن نعم اليوم من أقوى البلدان العربية هوية وطنية، ومن أكثرها انسجاماً وتجانساً من حيث مكونات المجتمع بدولة فاعلة ومؤثرة تتمتع بشرعية الإنجاز والمكسب... ولكن البعض من شبابنا برزت فيهم اليوم النزعات الضيقة التي تأخذ شكل انتماءات طائفية أو قبلية أو مناطقية أو كروية لا مكان لها في دولة وطنية صلبة.

التعصب هو لعب بالنار قد يفكك الوحدة الوطنية ولن يفيدنا وقتها تعصب لفريق أو لاعب...