بعيداً عن قفزات الذكاء الاصطناعي وقريبًا من استخدامنا التلقائي للكتابة في وسائل تواصلنا بعد أن صرنا نكتب أكثر مما نقول ونقرأ أكثر مما نسمع تبعاً لحياتنا الكتابية اليوم المتمثلة بالتطبيقات المتعددة في أجهزتنا الذكية..
أقول قريباً من هذه العملية التلقائية اللحظية تقريباً يتزايد استخدامنا للصورة كلغةٍ مولّدة وموجّهة تتطور كل يوم وتأخذ أشكالاً وأنماطاً تعبيرية جديدة عبر حضورها، فبعد أن كنا نكتفي بالصورة الرمزية المتراصّة في أجهزتنا الذكية بتنا نصنّع أو نطور صوراً متحرّكة وأخرى صامتة متحفّزة للاستخدام كردّات فعل جاهزة ومعلّبة، نوزّعها على المواقف بوعي كبير وبحيثيات تقول ما تريد سواء صراحة أو مواربة.. حتى بات استخدامها يأخذ طابعاً نوعيّاً وفنياً في توجيهه وتأثيره، ومهما يكن الأمر فالواقع أن الواحد منا اليوم يمسك بهاتفه.. يحملق قليلاً.. يقرأ ثم يترك وجهًا باسمًا، أو وردة تفتّق أكمامها للصباح.. أو حتى أخرى لا تزال ناعسة، ثم يترقب حروفًا وكلمات، أو ربما امتدادًا للغة الصورة بينه وبين المرسل، هي تلقائية عصرية ولغة أخرى تتخلق مع تطور تقنيات الصورة في العصر الحديث..!
لكنّ هذه اللغة التصويرية التي عادت إلى الواجهة مجدّدًا مع التطور الرهيب للغة الصورة في عصرنا.. هل تشكل في ملامحها العامة عودةً للبدايات التعبيرية للإنسان على الأرض.. على اعتبار أن أول ملامح الكتابة البشرية صور ونقوش معبرة، وربما حملت كل صورة منها تاريخاً كاملاً كما يكشف لنا علماء الآثار والنقوش بين عصرٍ وآخر، والسؤال الأكثر جدلاً ربما في هذا السياق هل ما نراه تطورٌ فني في اللغة الحوارية، أم كسلٌ اجتماعي شكَّل حالة نكوص تعبيرية مالت إلى البدائية في الكتابة..! كلا الوجهين ممكنان.. فعلى مستوى الكتابة بشكل عام تعج المراسلات دائماً بالأخطاء الإملائية وكتابة (المحكي)، وتوسيط الصورة حد الاكتفاء بها.. وهذا الوجه المباشر للظاهرة وهو يحتمل الوعي بها وتوظيفها، كما يحتمل الاستسهال فيها تمامًا، لكن الوجه الأعمق لها كما يبدو لي هو طغيان ثقافة الصورة في هذا العصر بحيث قفزت من دور الوسيط الذي قُدِّر لها إلى الدور الكامل في التعبير حتى بدت بدائية مقلوبة، أو حتى تطور رجعي للغة تعبيرية لا تزال كثير من اللغات العالمية تتكئ عليها كاللغة الصينية على سبيل المثال، حتى وإن عُدّ هذا التكوّن التعبيري بدائياً عند بعض علماء اللغة، لكن الحديث في هذا الجانب يحيلنا إلى ضفّة أخرى من الرؤية، هل فرضية الصورة كلغة بمقدورها أن توحّد البشر جميعهم على لغة واحدة، أي أن لأحدنا أن يتصور الحياة بعد قرن من الزمان مثلاً وقد طغت الصورة فيها على الكلام واخترع البشر مكاناً آخر للصوت لا يختص بالكتابة، وهذا أيضاً يحيلنا إلى ضفة أقرب أو حتى أبعد تتعلّق بالحرف كصوت يتصل بحاسة السمع، والصورة كمساحة بصرية تتعلق بحاسة البصر أي أن هناك مشروع تحول جوهري في عملية التلقّي وهنا يبرز سؤال أكثر جدلاً وربما غرابة هل ستستمر اللغة صوتًا في ظل هذه القفزات التقنية التي تناضل من أجل تحوّل جذري لدورها الوجودي فينا؟
في لغة «الأرابيش» مثلاً تحوّل الصوت إلى صورة.. هكذا قفزت اللغة بمفهومها البديهي من حاسة السمع لحاسة البصر، لا سيما على مستوى ردّات الفعل الكتابية.. فالصور التعبيرية المتراصة في شاشات أجهزتنا الذكية لغة متحفّزة وجاهزة للتعبير لا سيما كردّات فعل طمعت بالصورة المتنقلة فاجتهدت لتجمع الزمان بالمكان والمكان بالزمان ثم ماذا بعد؟! هل سننفتح يوماً على رواية من صور أو قصيدة من وجوه.. ربما ربما، فالإنسان لا يغادر بداياته، إلا ليعود إليها حينما يحتاجها..!
التعليقات