يتساءل البعض في أميركا عن قدرة حركة "الووك" Woke في شل القدرات القومية للولايات المتحدة من الداخل، مما قد يؤثر في سياستها الخارجية وربما حتى في أمنها القومي. فهل ذلك ممكن؟ ما تشخيصات احتمال كهذا، وهل يمكن تفادي تطور كهذا؟ موضوع "الووك" جديد في السياسة، ولكن جذوره عميقة تعود إلى عقود من الزمن. ومن ناحية أخرى فقد تداخلت فيه لوبيات لها ارتباطات خارجية متصادمة مع الشعب الأميركي. فكيف يمكن استشراف وقع "الووكيين" Wokists على الحالة القومية الدفاعية في أعظم قوة في التاريخ. وكيف استطاعت سحابة من الشعبويين في الجامعات أن تغير مصير هذه القوة العظمى.
فهم الجذور
كما كتبنا سابقاً، فجذور التيار "الووكي" Wokist قد نبتت من بقايا الشبكات الماركسية التي حركتها موسكو طوال الحرب الباردة تحت مظلة "الكومنتيرن" COMINTERN، ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار الشبكات معه، استمرت بعض مكوناتها طليقة تبحث عن "ممول" فاتجهت باتجاه الأنظمة "المارقة" عارضة خدماتها على القوى الراديكالية اليسارية في العالم الثالث والشرق الأوسط، ومن بين هذه الأنظمة "الجمهورية الإسلامية" في إيران. وقد شكل الاصطدام بين طهران وواشنطن في الثمانينيات قناعة لدى النظام الإيراني بأن "الجمهورية الخمينية" هي قوة مضادة "للإمبريالية"، ويمكن التفاهم معها لمقاومة "الاستكبار العالمي".
أما مع انهيار الدولة السوفياتية، فقررت بعض الشبكات الماركسية أن تتحالف مع طهران، وتؤمن مداخيل منها لتستمر في الحياة كقوة سياسية، إلا أنه تحتم على القيادة النيو-يسارية NeoLeftist أن تغير في طرحها الأيديولوجي ليتوافق استراتيجياً مع الحليف الإسلاموي الجديد في طهران، فخرجت طروحات أكاديمية راديكالية من جامعات الغرب استبدلت الطبقة الاجتماعية بالعنصر Race، ومن ناحية أخرى، تأقلمت الاستراتيجية الإيرانية العقائدية، فأضافت "العنصرية" إلى الخمينية وخرجت بطرح "إسلاموي ممزوج" مع نظرية "معاداة الرجل الأبيض" التي تم مزجها مع الخمينية و"ولاية الفقيه"، فأخرجت أغرب الأجندات التي حاولت أن تنتج مخلوقاً عقائدياً لا مثيل له، وهدفه الأساس هو إقامة محور شرقي - غربي من الراديكاليين يهدف إلى تمكين نظام إقليمي عالمي من دحر نظام ليبرالي معتدل واستبدال نظام توتاليتاري به، وأسس ذلك لأجندة جديدة بدأت تبرز في المعاهد في التسعينيات، وأسرعت للخروج من القمقم بعد ضربات الـ11 من سبتمبر (أيلول) وإطلاق "الحرب على الإرهاب".
طهران تدعم "الووكية"
استناداً إلى تقاطع المصالح بين "الووكية" و"الجمهورية الإسلامية" في التسعينيات، ترابط اللوبي الإيراني مع النخبة الراديكالية في أميركا عبر حملات متراصة ضد "الحروب الأميركية" في الشرق الأوسط، أو بمعنى آخر الحملات التي تستهدف النظام الإيراني وميليشياته، وبات واضحاً، لا سيما منذ حرب العراق، أن "الشبكات المضادة للحرب" باتت عملياً شبكات تدعمها طهران عبر لوبيها، لإسقاط السياسة الأميركية المواجهة لـ"الجمهورية الإسلامية".
فمنذ إطلاق حملة "البينك لايديز" Pink Ladies في عام 2003 ضد إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش لدفعه على الانسحاب من الشرق الأوسط، لعقدين تقريباً، مروراً حتى تظاهرات "أنتيفا" وBLM ضد الرئيس السابق دونالد ترمب في صيف 2020، تمكن محور إيران من التأثير في أقصى اليسار الأميركي، لحماية نظامه من فوق الأراضي الأميركية، فتحولت "الحركة الووكية" إلى مطية لضغوط اللوبي المؤيد للاتفاق النووي.
وقد استهدفت التيارات الراديكالية الناشطة مراكز القرار المتحكمة بسياسة أميركا تجاه إيران، وكأن جيوش "الووك" باتوا امتداداً لـ"الباسيج" أو في الأقل، قد وضعوا في موقع كهذا، كما حدث مع يسار الحرب الباردة، الذين وضعوا، بشكل غير مباشر، بتصرف الاتحاد السوفياتي، ولكن تأثير اللوبي في "الووك" لحماية النظم في إيران، ربما قد تخطى ذلك إلى مكان أخطر.
"الووك" والأمن القومي
إلا أن ما هو أخطر من تظاهرات "الحركة الووكية" المتحالفة مع "محور الممانعة" في الشرق الأوسط، هو خرقها المؤسسات التربوية والدبلوماسية والإدارية، والأهم الآن، مؤسسات الدفاع والأمن القومي. فالتقارير، وأخيراً حوادث خطرة متفرقة، باتت تشير إلى أن "التيار الووكي" أصبح أكثر انتشاراً داخل المؤسسات الدفاعية وربما الأمنية، وأن عناصره وكوادره باتوا في عمق مراكز القرارات الإدارية. فمنذ بضع سنوات أصبح المنهاج التعليمي وجهاً من قبل "الووك"، حتى داخل "البنتاغون"، ويضع أولوية للمناهج الأكاديمية التي تركز على المواد الجنسية والعرقية والاجتماعية، قبل المواد الدفاعية البحتة، مما يضعف القدرات التعبوية للقوى العسكرية الأميركية.
وهذه الأزمة قد تتسع بشكل دراماتيكي في المستقبل، إلا أن الأخطر حدث، أخيراً، عندما أضرم عضو في سلاح الجو الأميركي النار بنفسه صارخاً شعارات لـ"حماس"، وهو ليس حتى من أصول عربية أو إسلامية. فهذه يمكن اعتبارها أول عملية استشهادية "ووكية - خمينية" من نوعها ستفتح أعين السلطات على احتمال وجود آلاف من المؤيدين لأعمال كهذه، بدأت تكتشفها أميركا.
التعليقات