تكرر عدة مرات في التاريخ الأدبي والثقافي العالمي أن نُشرت روايات لكُتّاب مرموقين بعد وفاتهم، تركوها مخطوطة ولم ينشروها في حياتهم، ليس فقط لأن المنيّة وافتهم قبل أن ينشروها، وإنما قد يفعلون ذلك بإرادتهم لأسباب مختلفة، بينها شعورهم بأنها لم تستوفِ شروط العمل الروائي الذي ينشدونه. وقدّم تقرير على موقع «بي.بي. سي» أمثلة على هذه الروايات، مذكراً إيانا بوصية التشيكي فرانز كافكا لصديقه ماكس برود، أن يحرق جميع أعماله، ورغم ذلك قام الصديق، وفي خيانة محمودة للوصيّة، بنشر أعمال كافكا، ومن بينها «المحاكمة» و«القلعة» و«أمريكا».

مثل كافكا، طلب كاتب «لوليتا»، الروسي فلاديمير نابوكوف، من زوجته إتلاف روايته الأخيرة، «أصل لورا»، إذا توفي قبل إتمامها. وفي عام 2009، بعد مرور 30 عاماً على وفاته، أصدر ابنه العمل غير المكتمل، والذي كان مكتوباً بالقلم الرصاص على بطاقات مفهرسة.

ها نحن اليوم أمام مفاجأة تتصل بكاتب راحل نعرفه جيداً؛ لأنه عاش في زمننا. إنه الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز حامل نوبل للآداب وصاحب الرواية الشهيرة «مئة عام من العزلة» وسواها من الروايات المعروفة، حيث أصدر أبناؤه موخراً رواية قصيرة له أقرب إلى «النوفيلا»، حيث يتراوح حجمها بين 100 و120 صفحة، وعنوانها «إلى اللقاء في أغسطس» لتضاف إلى قائمة الروايات التي تنشر بعد وفاة مؤلفها وضد رغبته.

لهذه الرواية حكاية مثيرة للانتباه، فقد كتبها ماركيز وهو يعاني من الخرف الذي أصابه في سنوات حياته الأخيرة، وقبل وفاته بأيام أوصى أبناءه بأن يتلفوا مسودة الرواية، وكما فعل ماكس برود صديق كافكا، «خان» أبناء ماركيز وصية والدهم ونشروا الرواية، في لغتها الإسبانية قبل أيام، وحسب تقرير «بي. بي. سي» فإنه من المقرر أن تصل إلى المكتبات في جميع أنحاء العالم في هذا الشهر.

في تفسير عدم التزام أبناء ماركيز بوصية والدهم بإتلاف المخطوطة وعدم نشرها، قال ابنه غونزالو: «لم يكن والدي في وضع يسمح له بالحكم على عمله؛ لأنه كان يرى فقط العيوب وليس الأشياء المثيرة للاهتمام»، ولكن بعد قراءة النص مرة أخرى لم يجد الأبناء أن العمل كارثي كما حكم عليه والدهم، بل رأوا فيه «إضافة قيمة لعمله؛ لأنه أظهر جانباً جديداً وفريداً لماركيز.

«هل كان ذلك يمثل خيانة لوالدي، أو لرغباته»، يسأل الابن قبل أن يجيب: «قررنا، نعم، إنها خيانة. ولكن هذا هو ما وجد الأطفال من أجله». محرر النسخة النهائية من «إلى اللقاء في أغسطس» أوضح أن «التحدي الأكبر في تحرير الرواية غير المكتملة هو إبداء الاحترام المطلق لعمل غابرييل غارسيا ماركيز».