الأسوأ من المسلسلات التلفزيونية الهابطة، تلك الحوارات الأكثر هبوطاً وابتذالاً، والأشنع من ذلك الاستخفاف بعقول المشاهدين على أيدي إعلاميين مكرّسين أو متنفذّين في فضائيات عربية وأجنبية عديدة تخصص، للأسف، ساعة وساعتين لحوارات غثّة تغصّ النفس بموضوعات سطحية أغلبها هزار وضحك ثقيل الدم.
المُحْبِطْ في هذه الصورة الإعلامية البائسة أن بعض الفنانين المحترمين يوافقون على حفلة السخرية هذه، ويظهرون في مثل هذه اللقاءات التي لا تقع لا مهنياً ولا ثقافياً تحت مُسَمّى الحوار الإعلامي أو الحوار الصحفي الذي يعرفه المشاهد في تاريخ هذه المهنة المرئية والمسموعة على نطاق زمني ونفسي عالمي.
لقد حاولت أن أفسّر سبب ظهور فنانين وكتّاب وأدباء وسياسيين في برامج خفيفة مضجرة لا تليق بهم ولا بتاريخهم الإبداعي العام، فربما تعود الموافقة على مثل هذه البرامج إلى خجل أو حياء الفنان نفسه حين يتعرّض إلى ضغوط ذات طابع شخصي ربما، فيجد نفسه مجبراً على الجلوس في استوديو حفلة المسخرة تلك بالطبع، هناك من يقبل هذه الحفلة لأنه سيحصل على المال، وربما يبحث البعض عن جاذبية الظهور على الشاشة، وقد يشارك البعض من باب التسلية أو كما يقال تزجية الوقت، وفي كل الأحوال يربح اللعبة المذيع التلفزيوني، وهي لعبة سيئة الذكر في زمن إعلامي هو الآخر سيئ الوجه والصورة واللسان.
عدت في الأرشيف التلفزيوني المصري إلى إعلاميين كانا في الأساس صحفيين: مفيد فوزي (1933-2022)، وطارق حبيب (1936-2013). مفيد فوزي صحفي في الأصل (ثماني سنوات رئيس تحرير «صباح الخير»)، وقبل ذلك قارئ في الأدب والسيرة والفن والتاريخ والأديان والمهم أيضاً قربه النفسي منك ومن كينونتك البسيطة كقارئ أو كمشاهد.
يقال عن مفيد فوزي إنه «صَحَّف التلفزيون»، أي مدّ الاستوديو والشاشة بثقافة وتاريخ وشخصية مهنة الصحافة. أما حواراته التلفزيونية مع أدباء وكتّاب وفناني مصر فهي مدرسة صحفية في حدّ ذاتها أوجدها رجل طيب القلب، متواضع، نبيل الذاكرة والتاريخ.
مدرسة صحفية أخرى في مصر عمودها الإعلامي الحواري طارق حبيب، وقد كان له برنامج جعل اسمه «اثنين على الهوا» والواقع أنه كان واحداً على الهواء لنبوغ حبيب المهني في تحويل ضيفه إلى قريب أو صديق له واعتماده بالعشرة مصدر ثقافة ومعلومة وتاريخ.
الحوار الصحفي التلفزيوني تحديداً هو أمانة وأخلاق بالدرجة الأولى، ذلك أن التلفزيون يدخل بيتك، وأحياناً يفرض نفسه عليك، فإذا كان صاحب البرنامج عنده «شوية ضمير»، فمن المؤكد أنه لا يقبل الخفّة وطبيعة الفهلوي، لأنه في هذه الحال يكذب ويغشّ.
التعليقات