ما الحلّ عندما تصمّ المؤسسات التعليمية، في بلاد العُرْب أوطاني، آذانها غير عابئة بأهميّة التجربة والاختبار، كمنهجية في صميم البحث العلمي؟ الحلّ عندئذ أن يلعب الإعلام دور «الأطرش في الزفّة»، يقولون في تونس: «طرشة وقالوا لها زغردي». بالمناسبة: جاء في «قل ولا تقل» للعلاّمة العراقي الراحل د. مصطفى جواد، أن الزغردة خطأ شائع، لأنها «هدير يردّده فحل الإبل في حلقه». الصواب: التغريد والأغاريد.
لو كان العربي يفتح أذنيه على العربية الفصحى منذ نعومة الظُّفر، لظفَر بالملَكة اللغوية، التي ظلت أغرودة يردّدها ابن خلدون عبر القرون، وتسمعها وزارات التربية والتعليم، كأنها عُواء فتكاد تطير. هو ذا الحلّ الميسّر الذي طالما اقترحناه، وكرّرنا اقتراحه حتى صار قُرحة مسّنا قَرحُها، ولم يمّس القومَ المسؤولين قَرح مثله. قلنا: إن طلاقة اللسان في العرب غدت نادرة، وأضحت الأكثرية على الفصاحة غير قادرة. قلنا: صدّقونا، إنه من السهل إعداد معلّمات ومعلّمين لا يَلحنون ولا يتلعثمون ولا يُبرطمون، وبثّهم في الحضانات والتمهيدية حتى إذا دخل الصغار صفوف الابتدائية، ردّدت جدران المدارس شدو كل بلبل وحسّون وهزار وعندليب.
قبل الابتدائية، سماع الفصحى وتكلّمها في المحادثات والمحاورات، أهم بكثير من تعلم الكتابة في الثالثة أو الخامسة. ذلك هو أوان زراعة الملَكة اللغوية. في تلك السنّ، لا حاجة على الإطلاق إلى تصديع الرؤوس الغضّة برجوم قواعد النحو والصرف، التي لا يعالج أعراضَها وأمراضها،غير أطباء نطاسيين من جيل جديد من علماء اللغة، الذين لا يخشون في التطوير لومة لائم. على علماء اللغة وواضعي المناهج أن يدركوا أن قواعد النحو ليست مقدسات منزلات من السماء. عقلاء النحاة أنفسهم كانوا يسخرون من تعقيدات القواعد. أفذاذهم ثاروا عليها على مرّ القرون، فما بال أهل عصر فيزياء الكم والذكاء الاصطناعي، يصرّون على تكبيل أدمغة الأطفال بنحو لا علاقة للكثير منه بعربيتنا اليوم؟ القواعد التي بُنيت واستُمدّت من تراكيب الشعر الجاهلي، لا تنطبق بالضرورة أو أصلاً، على العربية الحديثة.
الآن، ماذا ستفعل المناهج العربية إذا صار الصغار يدخلون المدرسة الابتدائية، وفي جيوبهم سيبويه والفرّاء والكسائي وابن جنّي؟ ألا تحتاج الوزارات إلى نسف كل بنيان مقرّر العربية، وإعادة البناء بعين الاستشراف المستقبلي؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الطبية: حين تصمّ المناهج آذانها، عليك أن تدرك أنك لست بمسمع من في المناهج.
التعليقات