بدأت حمى الانتخابات الرئاسية المقبلة تنتشر في المشهد السياسي الجزائري، ويظهر ذلك جلياً في المواقف الكثيرة التي صرّحت بها الأسبوع الماضي قيادات أحزاب الموالاة، والأحزاب المحسوبة على المعارضة وفي مقدمتها حزب جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الوطني الديموقراطي، وحركة البناء الوطني، وحركة مجتمع السلم (حمس) وأحزاب صغيرة أخرى لا وزن لها في الحياة السياسية الجزائرية.

يبدو من مضمون تصريحات الأمين العام الجديد لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد الكريم بن مبارك، والقيادي في التجمع الوطني الديموقراطي، العربي صافي، أنّ هذين الحزبين المعروفين بأنّهما الواجهة السياسية للسلطة لن يقدّما أي مرشح لهما يمكن له أن ينافس الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، لأنّ فعل ذلك سوف ينقلهما فوراً من موقع الموالاة إلى موقع المنافسة التي سوف تُقلق السلطات الحاكمة التي بيدها الحل والربط، والتي يظهر جلياً أنّ مرشحها هو الرئيس تبون إذا لم تحدث مفاجآت غير متوقعة.

تجمع تصريحات كل من الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، والقيادي في حزب التجمع الوطني الديمقراطي العربي صافي، أنّ التعبئة العامة على مستوى الهياكل القاعدية لحزبيهما لا تتجاوز سقف ضبط وتنصيب اللجان والمكاتب المركزية، والجهوية على مستوى البلديات في الجزائر العميقة وفي المدن الكبرى، وبخاصة الجزائر العاصمة ووهران وعنابة، والبليدة، وتيزي أوزو، وبجاية، وقسنطينة وغيرها من المحافظات (الولايات) التي فيها أغلبية المواطنين البالغين سن الانتخاب، وذلك للترويج لمرشح النظام الجزائري.

أما حزب حركة البناء الوطني الذي يقوده أمينه العام عبد القادر بن غرينة، فلم ترشح عنه هذا الأسبوع أو من قبل، أية معلومات بخصوص ترشيح هذا الحزب لأمينه العام أو لإحدى الشخصيات القيادية في صفوفه، لخوض الانتخابات الرئاسية التي ستبدأ حملتها في الصيف المقبل. ولكن الخبراء المتخصصين في تراث وسلوك الأحزاب الإسلامية الجزائرية يعتقدون أنّ بن قرينة يدرك تماماً أنّ حظه في الفوز بالانتخابات الرئاسية باهت وربما من المستحيلات، لكونه أقرب إلى الشخصية الفولكلورية منه إلى الشخصية السياسية التي يُحسب لها ألف حساب على مستوى دوائر صنع القرار في أجهزة النظام الجزائري.

إنّ الحزب الواضح الوحيد نسبياً هو حركة مجتمع السلم، وذلك جراء إعلان رئيسه عبد العالي حساني شريف يوم الثلثاء الماضي في ولاية غليزان، عن أمله في "أن تسود روح التنافسية بين البرامج والأفكار في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة"، حيث يُفهم من عبارته هذه أنّ حزبه سوف يرشح شخصية لتدخل إلى حلبة المنافسة، ولكنه لم يذكر اسم أي قيادي مرشح معين، وإنما ترك الأمر معلقاً لأسباب تكتيكية، كما عوّد هذا الحزب الناخب الجزائري في استحقاقات عدة رئاسية سابقاً، وبخاصة عندما اختار مراراً الاصطفاف مع السلطة تحت مظلة كرنفال "التحالف الرئاسي" في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

وفي الواقع، فإنّ حزب حركة مجتمع السلم (حمس) الإسلامي سوف يصطدم بعقبات عدة يُنتظر أن تثنيه عن خوض الانتخابات الرئاسية كحزب معارض وراديكالي، أو تؤدي به إلى ترشيح شخص له يكون وضعه في السباق الرئاسي مثل حال سلحفاة عجوز في سباق ماراثوني سريع. سوف يجد الحزب أمامه العقبة النفسية التي تتمثل في حساسية المواطنين من الأحزاب الاسلامية، حيث أنّ ميراث العشرية الدموية لا يزال طازجاً، وأنّ جروحها لم تندمل بعد. ومن ناحية أخرى، يُلاحظ أنّ الأحزاب الاسلامية لن تجمع على قول واحد، ومن غير المنتظر أن تتفق هذه الأحزاب، مثلاً، على خوض الاستحقاق الرئاسي بمرشح إسلامي توافقي يمثل هذا الفسيفساء.

وإضافة إلى هاتين العقبتين، فإنّ حزب حركة مجتمع السلم (حمس) لا يملك راهناً شخصية كارزمية يمكن أن يُعوّل عليها لكسب مثل هذه الانتخابات أو لحفظ ماء الوجه على الأقل. فالرئيس الحالي لهذا الحزب، عبد العالي حساني، غير معروف وطنياً ولا يملك قاعدة شعبية عريضة مثلما كان عليه الأمر مع المؤسس الروحي لهذا الحزب الراحل محفوظ نحناح. من الجلي أنّ "أبو جرة سلطاني" الذي كان في يوم من الأيام ذا وجاهة داخل صفوف حزب "حمس" ولدى جزء معتبر من المعارضة الاسلامية المعتدلة، قد فَقَد بريقه وصدقيته، لأنّه أصبح منذ زمن جزءاً عضوياً من تركيبة السلطة الحاكمة، حيث قاد حزبه، أمام دهشة الجميع في الماضي القريب العالق في ذاكرة المواطنين الجزائريين، إلى فخ "التحالف الرئاسي" ثم قبل أيضاً مناصب وزارية عدة في الحكومات المتعاقبة التي عيّنها النظام الحاكم، وأخيراً ختم دورته السياسية بقبول منصب السيناتور في إطار صفقة الثلث الرئاسي المعيّن من طرف رئيس الجمهورية.

في هذا المناخ لم تتحرك الأحزاب التي تعتبر نفسها في صف المعارضة الراديكالية مثل أحزاب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، والقوى الاشتراكية وغيرهما. ومن الواضح أنّ هذه الأحزاب تنتظر الإعلان عن مرشح النظام الحاكم في الجزائر، وبمجرد ظهور اسمه يُتوقع أن تبعد نفسها نهائياً عن السباق الرئاسي، لأنّها ترفض مسبقاً أن تلعب دور "الكومبارس"، حيث أنّها تعرف جيداً أنّ مرشح السلطة هو الذي يصل إلى قصر المرادية حتماً.

في هذا السياق تبدو حظوظ بعض الشخصيات الأخرى، التي بدأت تلوّح بأنّها ستدخل حلبة السباق الرئاسي رسمياً، باهتة، مثل حال رئيسة حزب من أجل التغيير والرقي، زبيدة عسول، المعروفة بكونها خريجة مؤسسات النظام الجزائري، حيث تولت سابقاً مناصب عليا عدة في وزارة العدل، والأمانة العامة للحكومة، والمجلس الانتقالي، والمحكمة العليا، وتُوّج مسارها الوظيفي في مؤسسات النظام الحاكم بتنصيبها مستشارة لرئيس مجلس الأمة.