في مطالع العقد السادس من القرن العشرين، أصدر سلامة موسى كتاباً عن الصحافة أسماه: «الصحافة حرفة ورسالة»، وهو عنوان يختزل ما في جنبات الكتاب، أو ما بين دفتيه، من أفكار ومعلومات حول الصحافة، التي يجب أن تكون حرفة، ويجب أن تكون رسالة في الآن ذاته، الحرفة وحدها لن تكفي لخلق صحافة جيدة، والرسالة وحدها لن تكفي لخلق هذا النوع من الصحافة، يجب اتحاد الأمرين في نسيج واحد، وفي الكتاب مقال خصصه سلامة موسى للعلاقة بين الصحافة والأدب، واختار له العنوان التالي: «كيف نرفع الصحافة إلى مقام الأدب»؟ واعترف الكاتب بأنه قد يكون مستسلماً للخيال لو تساءل كيف يكون حال هذه المجلة الأسبوعية، أو تلك الجريدة اليومية، لو أن رئاسة تحريرها سلمت للطفي السيد الذي، إضافة لكونه مثقفاً ومفكراً وداعية للتقدم والنهضة، هو نفسه من ترجم مؤلفات أرسطو الفلسفية.
برأي سلامة موسى، فإن «الصحفي الممتاز هو الذي يكون قد وصل إلى الصحافة بعد أن انصهر في بوتقة الآداب والعلوم والفنون»، وشرح ذلك بالقول إن ذلك يجعل منه، أي من الصحفي، على معرفة وتقدير لتولستوي، وغوته، ويمكنه من أن يفكر بعقل فولتير، حيث يتحدث عن قانون المطبوعات في مصر، آنذاك، في كلمات موجزة:«الصحفي الممتاز هو الفيلسوف الأديب العالم الفنان».
يقال إن أحد الناقدين في الولايات المتحدة كتب ذات مرة يقول إن «كرستيان سينس مونيتور»، وكانت من كبريات الصحف الأمريكية في وقت ما، قد انحطّ شأنها لأنها لم تعد تبالي بالآداب والعلوم، وإنها كانت تعنى قبلاً بتثقيف قرائها، أكثر مما تعنى الآن. ولم ترد الجريدة على هذا الناقد بنكران ما قاله، ولكنها عمدت إلى العدد الذي صدر فيه المقال الناقد، فجمعت ما فيه من آداب وعلوم وفنون وطبعت كل ذلك في كتاب مستقل يحوي أكثر من مئة صفحة، فكان كتاباً رائعاً ظل يباع لفترة طويلة، وكان هذا محصول عدد واحد فقط من جريدة يومية.
لكن سلامة موسى يقول شيئاً آخر، لا يقلّ أهمية، وهو يتحدث عن شروط الصحفي الممتاز: «أحسن الصحفيين هو من عمل للأخبار في بداية حياته الصحفية، وأحسن الكتّاب المعلقين هو من اعتاد، لسبق خدمته في إيراد الخبر، أن يصل بين الأخبار والمقالات، أو يكتب المقال الخبري أو الخبر المقالي». إنه بذلك يكسب تعليقاته حيوية الخبر، ويضفي على صلته بقرائه حيوية الحياة، على خلاف الصحفيين الذين أتوا إلى المقال من دون أن يمروا بمدرسة كتابة الخبر، ومدرسة اقتناص هذا الخبر.
يسدي سلامة موسى بهذا القول نصيحة ذهبية للعاملين في الصحافة، من واقع تجربته الخاصة.
التعليقات