عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقبل عشر سنوات، صدر للكاتبة هدى الزين كتاب بعنوان: «المقاهي الأدبية في باريس.. حكايات وتاريخ». كتاب يقدّم إحاطة موجزة بأهم المقاهي في العاصمة الفرنسية التي كانت ملتقى لأدباء فرنسا وفلاسفتها، وارتبط بعضها بأسماء مشاهير منهم، مثل جان بول سارتر وسيمون دوبوفوار وآخرين سواهم. فيها تناقشوا وتجادلوا حول الأفكار وقضايا الأدب والفلسفة، وفيها أيضاً قد يكون بعضهم وضع مؤلفاته أو أجزاء منها.
استوقفني في الكتاب، خاصةً، ما ورد فيه من معلومات عن مقهى «كلوني» الباريسي الذي يقع، حسب وصف الكاتبة، «عند تقاطع مفرقي السان ميشيل، وسان جرمان أمام مبنى السوربون الأثري»، «ويبعد، حسب قولها أيضاً، أمتاراً عن أزقة الحي اللاتيني الضيقة التي تنتشر بها مطاعم من كل بلدان العالم». استوقفني الحديث عن هذا المقهى بالذات لما جاء فيه من معلومات حول كونه الوجهة المفضلة لزوّار باريس من العرب، وهو، كما تقول، واحد من مقهيين يفضلونهما، أما الثاني فهو «الفوكيتس»، ولكن حظوة «كلوني» عندهم أكبر.
ولأن «كلوني» تغيّر في شكله وديكوره، وأصبح مجرد اسم في تاريخ المقاهي الأدبية العريقة، فإن الكاتبة تفيدنا بأن مرافقي السيّاح الذين يزورون الحي اللاتيني يحرصون على أن يتوقفوا عنده، لتعريفهم بهذا المعلم التاريخي الكبير الذي تحوّل إلى مطعم بيتزا عادي، ولكن تبقى الحكمة في مكانته التاريخية التي يجري إحاطة السيّاح بنبذة عن مراحلها.
تفيدنا الكاتبة أيضاً بأن المقهى سُميّ باسم شاعر بوهيمي يدعى كلوني، يقف أمام رصيف المقهى يُلقي أشعاره أمام الجالسين فيه، ثم تعرج الكاتبة على تعريفنا بأسماء عدد من الأدباء والمفكرين والفنانين العرب، ومن أجيال مختلفة، ممن قصدوا المقهى، ومن هذه الأسماء: عبدالرحمن بدوي، طه حسين، توفيق الحكيم، سهيل إدريس، جورج البهجوري، ومن الأجيال التالية: سيف الرحبي، خليل النعيمي، هدى بركات، إنعام كجه جي، عيسى مخلوف وآخرون سواهم.
ينتهي الكتاب بمجموعة من الشهادات الجميلة لكتّاب وفنانين وشعراء عرب عن علاقتهم بالمقاهي عامة، لا عن مقاهي باريس حصراً، بينها شهادات فيصل الياسري، جمال الغيطاني، حسن عبدالله، سيمون نصّار، أحمد زين الدين. واختتمت هذه الشهادات بنصوص شعرية مستوحاة من أجواء المقاهي عامة، لكل من: نزار قباني، محمود درويش، شوقي بزيع، محمد علي الرباوي، محمد حسن علوان. ولا بأس أن نختم بأبياتٍ من قصيدة درويش: «مقهى وأنت مع الجريدة جالسٌ/ لا لستَ وحدك/ نصف كأسك فارغ/ والشمس تملأ نصفها الثاني/ ومن خلف الزجاج ترى المشاة المسرعين ولا ترى/ كم أنت َحرّ أيّها المنسي في المقهى/ فلا أحد يحملق في حضورك أو غيابك».
التعليقات