لا يخفى على من يتابعون سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هوسه بفكرة استعادة إحياء الإمبراطورية الروسية، وأن حرباً كالتي يخوضها في مواجهة أوكرانيا و«الناتو» لا تنفصل عن هذا السياق، سواء من ناحية تبريرها باقتراب الخطر من حدود بلاده، أو إصراره على خلق واقع جغرافي عن طريق ضم أراض ومناطق إلى الخريطة الروسية.

وفي هذا الإطار، لم يستغرب كثيرون مرسوماً أصدره بوتين مطلع هذا العام بتخصيص ميزانية للبحث عن العقارات المملوكة للإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي السابق حول العالم، بهدف إعادة ملكيتها إلى روسيا.

ويرى المراقبون لمسار بوتين السياسي أن عينه لم تغب يوماً عن الماضي وأنه يتعامل مع الحاضر والمستقبل بقناعة أنه قادر على استنهاض المجد الإمبراطوري الروسي، وأنه رأى في تهديد الغرب له بورقة أوكرانيا تعطيلاً لحلمه، أو تحجيماً له، فتعامل مع الحرب على أنها دفاع عن وجود.

لا يضيّع بوتين فرصة إلا ويربط الماضي بالحاضر ويوجّه رسائل مفادها الإصرار على التصدي للغرب المعرقل لمشروعه الحالم وقدرته على الانتصار. ومن هذه الرسائل معرض «غنائم الجيش الروسي»، المقام في موسكو، ويتضمن الآليات العسكرية الغربية التي ظفرت بها القوات الروسية في أوكرانيا.

قدم الغرب لأوكرانيا كثيراً من الأسلحة، ولا يزال رئيسها فولوديمير زيلينسكي يطب المزيد رغم أنها لم تغيّر جوهرياً في مسارات الحرب، وهو ما يصر الجيش الروسي على تثبيته في الأذهان بقوله إن المعرض يكشف أن المساعدات الغربية لن تمنعه من الانتصار.

المعرض يقام خارج متحف يحتفي بانتصارات الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية عام 1945، وهي المناسبة التي تحتفل بها روسيا سنوياً في التاسع من مايو/ أيار وتعتبرها قمة مجدها في قهر «النازية».

ومنذ بدء حرب أوكرانيا، تزداد رمزية هذه المناسبة المسماة «عيد النصر» على خلفية أن أوكرانيا في القناعة الروسية رهينة مجموعة جديدة من النازيين لا يمكن إلا الانتصار عليهم، وأن التاريخ سيعيد نفسه.

الرسائل الروسية من المعرض موجهة للداخل والخارج، خاصة مع اقتراب «يوم النصر»، فبوتين يبذل جهداً منذ عقود في ترسيخ هذه المناسبة في وجدان الروس، ليس فقط بجعلها عطلة رسمية، إنما أيضاً عن طريق إحاطتها بكثير من المظاهر الاحتفالية التي تجعلها جزءاً أصيلاً من الهوية الروسية.

ويقلّد بوتين في ذلك الزعيم السوفيتي آنذاك ليونيد بريجنيف الذي بدأ عام 1963 استغلال المناسبة لتقوية الأساس الأيديولوجي المُتراجع في البلاد وتعزيز المشاعر الوطنية.

وهذه المشاعر قد تكون تأثرت بطول «العملية العسكرية الخاصة» التي اعتقد بوتين أنها ستقضي على الخطر الآتي من أوكرانيا، لكنها استحالت حرباً طويلة يريد تأكيد أنه لن يخسرها مهما غذاها الغرب بالسلاح الذي ينتهي غنيمة في يد الروس يجعلها فرجة للروس والزوار الأجانب، خاصة الملحقين العسكريين، الذين يتوافدون على المعرض لرؤية معدات مصدرها 12 دولة وثمنها ملايين الدولارات.