في هذا التيه اللانهائي تضعنا الأيام في ميزان صعب، وبين رغبات منطفئة، وبشر يستعرون رغبة ماذا يمكن أن نفعل؟ في الآونة الأخيرة كثرت الشكوى من فقدان الشغف في كل شيء مع كثرة النعم وتعدد الفرص، كذلك الشكوى من غدر الاصدقاء والميل للانعزال والوحدة، ولكن هل هذه المشاعر حقيقية فعلاً؟ وهل الإحساس بتساقط الأصدقاء جاء نتيجة لغدرهم أو عدم تفهمهم لنا؟
الوعي الذاتي من أخطر المراحل التي يعيشها الإنسان، فهو تجربة أن تفكر بالأشياء من حولك بشكل متجرد، وتطرح أسئلة على نفسك قبل أن تطرحها على الآخر، فكل عمر له من يتوافق معنا بأفكارنا وتوجهاتنا، أحياناً الوعي الزائد أو "الوعي الشقي" هو ما يجعلنا نعقد الحياة بمصطلحات ورؤى تربكنا من الداخل وتفقدنا السكينة والطمأنينة، كل هذه المشاعر والسخط الداخلي والانطفاء المؤقت تأتي وكأنها تكشف عن فطرة الحياة المتجددة في مواجهة الفرح التعب والإحباط واليأس والموت وهبة الحياة، هي ليست مشاعر ضعف بقدر ما هي تفاصيل تكشف عن الإنسان بداخلك ومن تكون ولطالما عوّلت على عصا الصداقة التي اعتبرها العمود الثالث في عمارة العلاقات الإنسانية، وكأنك تبني منزلك الذي تختار بمزاجك من يدخله، فالصداقة شيء ثمين في هذا العالم العدواني الذي يتخاصم بشراسة مع كل شيء حوله، ولو بنيت الصداقة على الاحترام والوضوح سيطول أمدها بالتأكيد ولن يفسدها عيّاث أو عابث نمام أو حتى عدو في ثياب مصلح، الأكيد أن بعض الصداقات نكون ملزمين بها بفعل الوقت، اقصد أنها محسوبة علينا ولكنها صداقة مؤذية تمنعك من الانطلاق والتطور وكلما حاولت التحرر منها سحبك هذا الصديق الذي قد يكون عاش معك أكثر من نصف عمرك ولكن لا تستطيع أن تتخلى عنه.. وبعض الصداقات تأتي كرشات المطر المتتالية خفيفة لطيفة في أوقات قائظة، هذه المشاعر كالعشب الذي يتخلّق في الظل.
فترتيب مشاعرنا يعيد تشكيل منظورنا وتصويبه ليوافق توجهاتنا في التمتع بهذه العلاقة الفطرية النقية، فالنفس البشرية مولعة بما يملؤها من مشاعر، والحب أعظم الهبات التي يهبنا الله إياها، فكلما كان قلبك محباً رقيقاً كلما كنت أكثر تسامحاً وأكثر سعادة وسكينة، ستجد من يلتف حولك دائماً ستنعكس روحك المحبة على كل ما حولك؛ عائلتك أصدقاؤك حتى الجمادات تحمل روحك المحبة الدافئة، لذلك عش على فطرتك، فالدنيا مازالت بخير، ومازالت تحضر الجمال والطمأنينة على هيئة أعمال نوايا أو بشر.
التعليقات