رفض السفير الفرنسي السابق أندريه باران الخلط بين الإسلام والإسلام السياسي في بلاده، معتبراً أنّ مشكلة "الانفصال الإسلامي" ناتجة من تمسك أقلية مسلمة، منها "الاخوان المسلمون"، بمبادئ وتقاليد تريد فرضها على مجتمع علماني. ولفت باران إلى أنّ الأوساط الشعبية الفرنسية تربط بين "الإسلام المتطرف" والقضية الفلسطينية، وتلك "قراءة خاطئة" فليس كل الفلسطينيين متطرفين،

"النهار العربي" حاور باران الذي تقاعد هذا الصيف بعدما تولى إدارة سفارات بلاده في بيروت والقاهرة والجزائر وتونس، كما عمل مستشاراً للرئيسين السابقين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، حول تكليف الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير داخليته جيرالد دارمانن السفير فرانسوا غوييت والمحافظ باسكال كورتاد مهمة إعداد تقرير عن تأثير "الإخوان المسلمين" و"الانفصال الإسلامي" في فرنسا، وإذا كان الموضوع يُشكّل هاجساً لدى الطبقة الفرنسية الحاكمة.

وقال باران إنّ "السفير فرانسوا غوييت يملك كل الكفاءات لإتمام مهمّة كهذه، فلديه معرفة جيدة بالعالم العربي ويتكلم اللغة العربية بطلاقة ويعرف الثقافة العربية والتفكير والمنطق في المنطقة العربية جيّداً، أما كورتاد فهو مسؤول سابق عن الديانات المسيحية والمسلمة واليهودية، ويعرف تماماً ماذا يحدث داخل البلد بالنسبة إلى هذه الديانات، وخصوصاً بالنسبة لمسلمي فرنسا".

هل المهمة تنبع من هاجس أو هوس بالإسلام في ذهن الطبقة الفرنسية الحاكمة؟ أجاب باران: "الإسلام السياسي موضع جدل عام منذ 40 سنة، ويأخذ أهمية متزايدة نتيجة الهجرة الكثيفة التي شهدها البلد منذ العقد الأخير، وهي هجرة مؤلّفة كثيراً من مسلمين. وفي وسط هذه الهجرة المسلمة هناك أقليّة نشيطة جداً تبحث تدريجياً عن فرض مبادئها وقيمها التي تتناقض مع الذين يديرون الحياة العامة في فرنسا، ما يخلق توترات".

وأضاف: "موضوع الإسلام أصبح محورياً في المناقشة العامة، وأي حملة انتخابية في فرنسا لم تعد تخلو من هذا النقاش، وكثيراً ما أضحى يُستخدم سياسياً ولو أنّ له أسساً. لا يمكن القول إنّ موضوع الإسلام ليس موجوداً، فهناك أقلية مسلمة تحاول فرض تصرفات معينة في المجتمع الفرنسي وقوانين للحياة مختلفة عن التقاليد العلمانية العامة للمجتمع الفرنسي".

ورأى باران في توضيح لمفهوم "الانفصال الإسلامي" الذي تحدث عنه وزير داخلية بلاده أنّ "الموضوع ليس الإسلام، بل الإسلام السياسي المتطرف وهو موضوع تأويل البعض للإسلام ورغبتهم في فرض مبادئهم الدينية على المجتمع الفرنسي الذي يرتكز على مبادئ العلمانية. فرنسا كانت طويلاً تحت تأثير الدين، والشعب تحرر تدريجياً من ذلك واليوم لدى الفرنسيين عموماً الانطباع بأنّ أقلية من المسلمين تريد فرض مبادئ مضادة لمبادئ حياة الفرنسيين العلمانية وقوانينها، ما يخلق توتراً ومن الطبيعي أن يهتم المسؤولون السياسيون بذلك".

وعما إذا كانت العمليات الإرهابية باسم الإسلام هي التي أدت إلى القلق المتزايد من "الانفصال الإسلامي" والتيارات المتطرفة قال: "هناك قلق كان موجوداً من التطرف الإسلامي، والعمليات الإرهابية زادت ذلك. لكن لا ينبغي الخلط بين الإسلام والإسلام المتطرف السياسي، إذ إنّه لا مشكلة لدى الفرنسيين مع مسلمي فرنسا. 80 في المئة من المسلمين في فرنسا يمارسون دينهم، وهو موضوع خاص وشخصي ولا يحاولون فرض دينهم وعقيدتهم على غيرهم وعلى المجتمع، لكن هناك أقلية تنشط في المجتمع، منها الإخوان المسلمون الذين يحاولون إقناع الآخرين وفرض مبادئ من أصل ديني في المجتمع والحياة العامة".

وتابع الدبلوماسي السابق: "لدي قناعة بأن الفرنسيين ليسوا ضد الإسلام لكنهم يريدون حماية أسلوب حياتهم وتقاليدهم. فعندما يطالب البعض مثلاً بطعام حلال في المدارس الرسمية الفرنسية وفرض الحجاب للفتيات في الشوارع، يردّ الفرنسيون بأنهم تخلصوا من إظهار تقاليدهم الدينية منذ مئة سنة عندما أصبحت الجمهورية علمانية وكافحوا من أجل هذه العلمانية في الحياة العامة، ولا يريدون العودة إلى ذلك تحت تأثير الإسلام السياسي المتطرف، وأنا مقتنع بأنه إذا كان هناك رفض من الشعب الفرنسي فهو ليس للإسلام بل للتطرف الإسلامي السياسي".

وفي معرض رده على سؤال عن استخدام بعض السياسيين الفرنسيين موضوع الإسلام في حملاتهم الانتخابية، والإشارة إلى ظهور الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في مداخلة تلفزيونية خلال حملته للرئاسة مع طارق رمضان، حفيد مؤسس "الإخوان المسلمين" حسن البنا، قال باران: "عندما نرى استطلاعات رأي تشير إلى أن عدداً من المسلمين يعتبر أن القوانين والمبادئ المسلمة أهم من قوانين الجمهورية فهذه مشكلة، فمثلاً عندما تضطر السلطات الأمنية إلى التدخل لإجبار تلامذة يرفضون الوقوف دقيقة صمت تقديراً لذكرى المدرّس صامويل باتي الذي قتله متطرف إسلامي، فهذا مثل عن رفض البعض الالتزام بقوانين الجمهورية".

وعن تأثير حرب غزة على زيادة الانطباع العام بأنّ التظاهرات الطلابية ضد ما تقوم به إسرائيل في غزة هي أيضاً بفعل الإسلاميين المتطرفين، قال باران: "هناك نوع من الربط بين الإسلام المتطرف والقضية الفلسطينية. فكثير من الفرنسيين يفهمون القضية الفلسطينية على أنّها حماس والإسلام الإرهابي المتطرف، لكن هذه قراءة خاطئة، فليس كل الفلسطينيين إسلاميين متطرفين، خصوصاً أنّه أثناء الفترة التي كانت فيها جهود للتوصل إلى مسار سلمي للقضية الفلسطينية، كان الإسلاميون المتطرفون أقلية في الشعب الفلسطيني، وما أدى إلى صعود شعبية حماس ليس أنها تنشر الإسلام المتطرف بل لأنها تمكّنت من أن تُمثّل وحدها رمز المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي".

وأردف أنّ "القراءة الصحيحة لما يحدث هي عدم غض النظر عما يجري في غزة بسبب وجود حماس كحركة أساسية في القطاع، بل الاعتراف بأنّ الموضوع رهن تطرّف الخصمين إسرائيل وحماس". وأوضح: "لسوء الحظ هناك خلط في المجتمع الفرنسي، إذ أصبحت حماس والإسلام المتطرف يساويان القضية الفلسطينية، والناس الذين لا يعرفون المنطقة لا يفهمون أن الفلسطينيين الذين يدافعون عن حماس ليسوا إسلاميين متطرفين، ولكن يدافعون عنها لأنهم يعتقدون أنّها الملجأ الوحيد الباقي لهم في وجه الاحتلال بغياب أي أمل بمسار سلمي، وهذا يخلق لدى الفرنسيين الذين لا يعرفون المنطقة مشاعر متضاربة".

وفي السياق نفسه، أوضح مصدر فرنسي مسؤول لـ"النهار العربي" أنّ مهمة غوييت وكورتاد "ليست موجّهة ضدّ المسلمين في فرنسا"، معتبراً أنّ "الفخ الذي يريد البعض نصبه في فرنسا هو القول إنّ أي انتقاد للإسلام السياسي المتطرّف هو ضد المسلمين".

وتابع: "المهمة هي إعداد تقرير حول السلفيّة الإسلامية والإخوان المسلمين وتوضيح وضعهم في فرنسا وكيفية مواجهة هذا الزحف، علماً أنّ هناك تضخيماً في بعض وسائل الإعلام لا يلغي أنّ هناك قلقاً حقيقياً من التيارات السلفيّة والإخوان الذين يستخدمون القضية لأهداف سياسية، ويقع جزء من الشباب المسلمين تحت تأثيرهم".