توصلت دراسة نشرت في مايو الجاري، الى ان الشركات السعودية تعمل على ادخال تقنيات ذكاء اصطناعي، وذلك ضمن دفاعتها السيبرانية، وجاء السابق بعد ان تعرضت 67% من هذه الشركات، لاختراقات الكترونية، كلفتها خسائر قدرت بنحو 588 الف دولار، في 2023، استنادا لاحصاءات قدمتها شركة (سيسكو) الاميركية، وهو رقم لا يذكر، بالنظر لاجمالي خسائر الاختراقات على مستوى العالم، والتي وصلت لنحو ثلاثة ترليونات دولار في 2015، والمتوقع ان ترتفع في العام الحالي والمقبل الى عشرة ترليونات و500 مليار دولار.
التصيد الاحتيالي وبرامج الفدية والهندسة الاجتماعية، تعتبر من طرق استهداف الأمن السيبراني في المملكة، على الاقل في هذا الوقت، فالمختصون يشيرون الى ان القرصنة الالكترونية، بدأت باستخدام تقنيات متطورة، من ابرزها، (شات جي بي تي) وتعلم الآلة والأتمتة، ولدرجة ان المخترقين وبحسب شركة (شيك بوينت) السيبرانية، تمكنوا من تطوير نسخة من الكود الخاص ببرمجية خبيثة، كانت مستخدمة في 2019، واسمها (إنفوستيلر)، وساعدهم فيها (شات جي بي تي).
بالتأكيد هيئة الامن السيبراني السعودية وشركاؤها يقومون باعمال جليلة، ومؤشر البنك الدولي للنضج الرقمي يصادق على ما سبق، فقد حصلت المملكة فيه على الترتيب الثالث من اصل 198 دولة، وترتيبها في الامن السيبراني قفز من المرتبة 46 في 2017، الى المرتبة الثانية في 2023، وهناك علاقة ما بين تراجع الفساد والتحول الرقمي، فالدول الاقل فسادا في العالم، كالدنمارك وفنلندا ونيوزلندا، تتصدر قائمة الافضل في التحول الرقمي، بينما الدول الاكثرفسادا كتشاد وافغانستان وهاييتي، تصنف باعتبارها الاقل في التحول الرقمي، لان التعاملات الالكترونية تجعل احتمالات التلاعب محدودة، اذا ما قورنت بنظيراتها الورقية، ولكن وفي المقابل مجرد التعطل في هذه الانظمة، ولو لفترة بسيطة، قد يؤدي الى خسائرمالية كبيرة.
من الامثلة، شركة أمازون المعروفة، والتي تقدر ايرادتها في الساعة الواحدة بـ17 مليون دولار، ما يعني ان تعطلها لساعة سيكلفها نفس المبلغ، والاصعب ان التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام 2023، اشار الى ان 91% من قادة الاعمال والخبراء في الامن السيبراني، يرجحون احتمالية وقوع حادثة امن الكتروني كبيرة، في عامي 2024 و2025، نتيجة لعدم استقرار الاوضاع الجيوسياسية العالمية، بفعل الازمة الاوكرانية الروسية، والخلافات التجارية بين اميركا والصين، واضيف عليهما، الاوضاع غير المستقرة والمربكة في منطقة الشرق الاوسط، وشركات آبل وغوغل ومايكروسوفت تعمل على استبدال كلمات المرور في منصاتها، واحلال تقنية جديدة محلها اسمها (فايدو) او (مفتاح المرور) الذي يعمل على التثبت من هوية الشخص، بالارسال الى رقم اضافي يمتلكه، وباستخدم رقم تعريف شخصي، أو التسجيل بواسطة البيانات (البيومترية) كبصمات الاصابع أو بصمة الوجه، والثانية تطبقها منصة نفاذ السعودية، ولكنها اختيارية وليست إلزامية.
تشير الاحصاءات المحلية في 2023، الى انه في الشهر الواحد، يتم تنفيذ اكثر من 45 مليون معاملة حكومية عن طريق منصة نفاذ، ويوجد في المملكة ما يزيد على 430 تطبيقا ومنصة مرتبطة بها، وهذه اشكالية، لان وصول القرصنة الالكترونية لاحدها، سيمكن المخترقين من الدخول لمعلومات وبيانات حساسة ومهمة، ووفق الاحصاءات السعودية، هناك قرابة خمسة آلاف خدمة حكومية يمكن تقديمها الكترونياً، والمعنى ان تعطلها او اختراقها لن تكون نتائجه سهلة، وقد حدث هذا قبل عام في كوستاريكا، واعلنت الحكومة فيها حالة الطوارئ، بعد تعرضها لهجوم سيبراني، أصاب مجموعة من المصالح والخدمات الحكومية بالشلل، وادخل الدولة في حالة من الفوضى والتخبط، وافقدها ملايين الدولارات، بالاضافة الى استونيا صاحبة أول هجوم سيبراني استهدف دولة، في 2007، واضر بما يصل لـ58 موقعاً حكوميا وخاصاً فيها، وتعتبر استونيا، حاليا، المستشار الاول لحلف الناتو، فيما يتعلق بموضوعات الحروب السيبرانية، فهو يمثل جزءاً من العقيدة العسكرية لبعض هذه الدول، ووسيلتها المفضلة في تحقيق الهيمنة الدولية.
العلاقة العكسية بين الاعتماد على التقنية وارتفاع مخاطر الاختراق، يمكن توضيحها بواقعة حقيقية وبسيطة، ومن خلال ارقام نشرتها شركة (كراود سترايك) الاميركية، فأرقام الهجمات السيبرانية الناجحة في ذروة أزمة كورونا، ومع الأخذ بنمط العمل والدراسة عن بعد، بلغت 1161 في 2020 و1365 في 2021، مقارنة بـ400 في 2019، وما بين 795 و960 في عامي 2022 و2023، وبما اننا في موسم حج 2024، فإن منظومة الحج، في معظمها، تعتمد على الانظمة الرقمية، والاضرار بها سيؤدي الى ارباك في الخطط التشغيلية، والى تكدس في المطارات، ومشاكل في تفويج الحجاج، وتسرب لبيانات المواطنين والمقيمين وحجاج الخارج، والأنسب انشاء قوات خاصة للامن السيبراني على المستوى الوطني، تعمل بعقلها وعضلاتها معاً، لتعقب المخترقين وتحصين الانظمة، باستخدام أفخاخ العسل والديدان البرمجية وغيرها، الى جانب اقرار لائحة لتجريم القرصنة الالكترونية، وادخال المتورطين فيها ضمن دائرة المفسدين في الارض، تماماً كقطاع الطرق ومهربي المخدرات، ومعاقبتهم بناء على ذلك.
التعليقات