ابتدأت العنوان بالضمير نحن، ومقصودي نحن أجمعين بمعزل عن تنوع ثقافاتنا واهتماماتنا وتحصيلنا العلمي وأيديولوجياتنا.. وإلخ.
وتتكدر خواطر كثيرين مما يكتب على الفيسبوك، بسبب ما يقرؤون من نصوص لا تعجبهم.. نصوص تنتمي إلى أقوال لا تغني ولا تسمن من جوع. وهؤلاء ينتمون إلى النخبة الثقافية بعامة، ولكنهم لا يغادرون، في الغالب، صفحة الفيسبوك.
ما هو الفيسبوك وما شابههه من وسائل التواصل الاجتماعي؟، إنه ببساطة منبر الحياة الواقعية المعيشة بكل أشكالها ومستوياتها، بكل عجرها وبجرها، بكل ازدهارها وركودها، بكل فئاتها وطبقاتها، بكل صور وعيها. وهذه الحال هي أول حال في تاريخ البشرية أن صار للجميع منبر يعبرون فيه عما يريدون.
فصار للعلم منبر، وللفلسفة منبر، وللأدب منبر، وللفن منبر، وللجهل منبر، وللتعصب منبر، وللحقد منبر، وللحب منبر وهكذا.
إذاً نحن نشهد حضور تعابير جميع ما ينطوي عليه المجتمع من اختلاف وتناقضات ولغو وحكمة. وهذه مرحلة لا يمكن مقاومتها أبداً.
ليس هناك خطورة من حضور نمط حياة الناس اليومية على صفحات الفيسبوك، لكن الخطورة تكمن في تحول الفيسبوك لدى كثيرين إلى منابر لتسويق الجهل المقدس، والحقد القومي والطائفي، والأكاذيب، وتشويه الخصوم، وإلى كل ما هو مبتذل. وفوق هذا وذاك تحول الفيسبوك في بعض أوجهه إلى حلقات مصارعة وشجار وشتيمة، وإلى أكاذيب حول الأفراد والوقائع.
فقد تجد ما هب ودب من الأقوال التي تنسب إلى هذا المفكر أو ذاك زوراً وبهتاناً.
وكم تجد نفسك في حيرة من أمرك حين تقرأ عن ظاهرة تعرفها معرفة اليقين، ثم تجد ساردها قد شوهها تشويهاً يخرجها عن حقيقتها. نعم نحن أمام الحياة الواقعية التي تعبر عن نفسها بكل صور التعبير.
وعندي إن متابعة الفيسبوك العربي من قبل علماء الاجتماع وعلماء النفس والأنتروبولوجيين وعلماء السياسة، على غاية كبيرة من الأهمية، وآية ذلك إن نصوص الفيسبوك توفر لهم مادة ثرية جداً لدراسة الوعي السائد، والبنى النفسية للسكان، والثقافة شبه السائدة. إنها مناسبة لدراسة القيم والأخلاق والحاجات والمواقف المختلفة من مشكلاتنا ومشكلات العصر.
لقد أظهر الفيسبوك، على سبيل المثال، ظاهرة عدم الاعتراف بالاختلاف، وعدم الاعتراف بالاختلاف يعني عدم الاعتراف بحق الآخر في التعبير عن ذاته. وهذه الظاهرة ليست وقفاً على فئة واحدة من الفئات، بل هي عامة جداً. حتى لتجدنها في الوسط الأكاديمي الذي من المفترض إنه أبعد الأوساط عن ظاهرة الشجار، التي حطمت في كثير من الأحيان علاقات الصداقة.
وفي هذه الحال لا يميز أكثر كتاب الفيسبوك بين النقد من جهة، وبين الشجار الذي يصل حد تبادل الشتائم، من جهة ثانية.
ومن أخطر الظواهر التي ولدتها الكتابة الفيسبوكية ظاهرة تعبير الجبناء عما يخفونه في العلن.
فها أنت في نقاش بين جماعة حول قضية معرفية، نقاش قد يصل حد حرارة الدفاع عما تعتقده، والنقاش إدارة الاختلاف، وفي اليوم التالي تجد قولاً بحقك كان صامتاً منعه جبنه من التحدث، فتصاب بخيبة أمل لم تخطر على بالك.
والتعبير عن الأفراح والأتراح، فيسبوكياً، في الحياة اليومية ظاهرة عادية لا أثر سلبي لها.
لكن النيل من تاريخ الشعوب ولغاتها وعاداتها وتقاليدها، انطلاقاً من نزعة قومية تعصبية مرضية أمر مناهض لأخلاق التسامح، ويخلق التناقضات الزائفة التي لا طائل منها، فضلاً عن إن هذا الخطاب العنصري ينطوي على جهل بالتاريخ وعلى أوهام وخيالات لا تؤكدها الوقائع. فماذا يعني أن ينال شخص من اللغة العربية التي هي لغة علم وأدب ومعرفة وشعوب ووسائل إعلام إلخ؟.
ولكن من محاسن الفيسبوك إنه يوفر للشباب المبدع فرصة للحضور إذا لم تتوافر له وسائل الجريدة والمجلة والتلفزيون، وهذا الحضور قد يؤدي إلى انتشار الحسن وينقل الحضور إلى مستوى أعلى.
الفيسبوك ظاهرة تحتاج إلى تأمل.
التعليقات