باستمرار نطالع أخباراً عن قيام شركات العقاقير والمنتجات الصحية وغيرها بدفع تعويضات مليارية لمتضررين غربيين من بعض منتجاتها، مع العلم أن ذات المنتجات منتشرة في كل العالم، وهذا يعني أن هناك متضررين آخرين منها غير المستخدمين الغربيين، فلماذا فقط التعويضات تدفع للغربيين؟ لماذا لا يرفع العرب أفراداً ومؤسسات صحية قضايا على الشركات العالمية تطالب بتعويضات عن الأضرار التي لحقتهم بسبب منتجاتها؟ فعدم رفع غير الغربيين قضايا تعويضات ضد الشركات الأجنبية هو سبب الفضائح التي تتكشف من وقت لآخر لقيامهم بالبيع لبقية العالم منتجات منعوا من بيعها في الأسواق الغربية بسبب ضررها المؤكد أو انخفاض جودتها، وأشهرها كانت فضيحة لشركة الدواء الألمانية الشهيرة (باير- Bayer) التي بعد منعها من بيع منتجات دم ملوث بالإيدز في الغرب عام 1982 قامت ببيعها في آسيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية، وهي تعلم أنها تحمل الإيدز وهذا نتج عنه إصابات جماعية بالإيدز لدى من تلقوا العلاج بمنتجات الدم الحاملة للفايروس في فترة لم تكن هناك أدوية لعلاجه، وكان بمثابة حكم إعدام مستعجل للمصاب به، وللأسف لم يطالب الضحايا غير الغربيين بتعويضات، بينما الضحايا الغربيون حصلوا على تعويضات مليارية. وحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية فإن 1 من كل 10 منتجات دوائية في العالم النامي هي دون المستوى أو مزيفة وينتج عن تلك العقاقير التي دون المستوى في مرض واحد فقط هو الالتهاب الرؤي موت 72000 – 169000 طفل سنوياً، والشركات لا يردعها عن مثل هذه السياسات اللا أخلاقية إلا الخوف من أن المتضررين سيرفعون عليها قضايا تعويضات بالمليارات، وربما أن المواطن العادي لا يملك تكاليف رفع قضية دولية، لذا السلطات الصحية يمكن أن تتولى بالنيابة عن المتضررين رفع تلك القضايا لتغطي على الأقل التعويضات تكاليف علاجهم من أضرار منتجات الشركات الأجنبية، وكثير من الأسر تفلس وتفقد كل شيء عند إصابة أحد أفرادها بمرض عضال، بخاصة إن كان هو معيل الأسرة، واستهتار الشركات الأجنبية بسلامة المستهلكين غير الغربيين سيستمر طالما لم يصبح معتاداً رفعهم قضايا تعويضات مليارية أسوة بنظرائهم الغربيين «من أمن العقاب أساء الأدب»، فالثقافة السائدة لدينا تجعل الناس يعتبرون إصابتهم بأضرار من منتجات الشركات الأجنبية قضاءً وقدراً عليهم الرضى به بصمت، وهذه ثقافة يجب أن تتغير وأن تسود بدلا عنها ثقافة المطالبة بتعويضات عند التعرض للضرر، فهذا يمنع الضرر عن الآخرين وهو ليس مسعى أناني مادي، وكثيراً ما تكشف أن الشركات الأجنبية تتهاون في معايير السلامة والجودة في منتجاتها الموجهة للدول غير الغربية بسبب أنها تعلم أنه مهما تضرر الناس من منتجاتها فلن يرفعوا عليها قضايا تعويضات مثل نظرائهم الغربيين، حتى أن البعض اعتادوا شراء المنتجات من الخارج التي تتوفر ماركتها بالأسواق المحلية لأنهم يقولون إن الأجنبية أفضل جودة من التي بالأسواق المحلية، ومن يحب الأخذ بالمثاليات العليا الروحية كالعفو والسماح لوجه الله عن من أضره فيمكنه توزيع التعويضات صدقات على المحتاجين، المهم أن يصبح هناك رادع لدى الشركات الأجنبية عن الاستهتار بمعايير السلامة والجودة في منتجاتها الموجهة إلى منطقتنا، والأطباء يمكنهم المساعدة في إشاعة ثقافة طلب التعويض عن الضرر بالتحقيق في أسباب الأعراض والأمراض التي يعاني منها المرضى واكتشاف إن كانت ترتبط باستعمال منتجات معينة، وعندما يشتبه الطبيب بوجود علاقة بين مرض المريض ومنتجات معينة يمكنه تحويله لجهة مختصة تتولى التأكد من وجود تلك العلاقة وتتبنى قضية المريض إن ثبت وجود علاقة بين مرضه واستعماله منتجات معينة.