لا جدال في أن الناخبين في جنوب أفريقيا وجهوا رسالة استياء إلى حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم منذ ثلاثين عاماً، والذي قاد البلاد إلى التحرر من نظام الفصل العنصري بزعامة نيلسون مانديلا.

وللمرة الأولى، يجد الحزب نفسه في حاجة إلى التحالف مع أحزاب أخرى ليتمكن من تأليف الحكومة، بعدما حصل فقط على 159 مقعداً من أصل 400 تؤلف مقاعد الجمعية الوطنية، أي 40 في المئة من الأصوات. وكان الحزب يشغل 230 مقعداً في البرلمان السابق أو 57.5 في المئة من الأصوات. كما خسر الحزب الغالبية في ثلاثة انتخابات إقليمية رئيسية.

أسباب الاستياء كثيرة، وأخطرها ارتفاع مستوى عدم الثقة الكبير في ظلّ فضائح فساد متعدّدة تورّط فيها كبار قادة الحزب في الأعوام الأخيرة وتصدّرت عناوين الأخبار الرئيسية.

وبعد 30 عاماً على انتهاء نظام الفصل العنصري، تعتبر الفجوة بين الأغنياء والفقراء أوسع مما كانت عام 1994، وهناك 42 في المئة من القوة العاملة بلا وظائف، بينما ثلثا السود لا يزالون يعانون الفقر مقارنة بنسبة 1 في المئة فقط من البيض.

وفرضت النتائج خيارات صعبة على الرئيس سيريل رامافوزا الذي كان على الدوام يعتبر الخليفة الأفضل لمانديلا. ولن تكون مهمته سهلة في تشكيل الائتلاف الحكومي الأول في البلاد.

وتتراوح الخيارات بين التحالف مع حزب "أومكونتو وي سيزوي" بقيادة الرئيس السابق جاكوب زوما الذي يخيم التوتر على علاقته مع رامافوزا منذ خسارته الرئاسة على خلفية اتهامات بالفساد عام 2018. وحصل هذا الحزب المشكّل حديثاً على 15 في المئة من الأصوات، أو الذهاب في اتجاه "التحالف الديموقراطي" المؤيد لاقتصاد السوق والذي نال 22 في المئة من الأصوات.

لكن بعض المحللين يرون أنه على رغم أن التقرب من "التحالف الديموقراطي" يبدو أكثر احتمالاً ويمكن أن يبقي رامافوزا في الرئاسة، لكن قيادة التحالف هي إلى حد كبير من البيض ــ والتعليقات التي يدلي بها الأعضاء البارزون والتي اعتبرها العديد من السود في جنوب أفريقيا عنصرية ــ يمكن أن تجعل مثل هذا الارتباط غير مستساغ للجناح اليساري في حزب "المؤتمر الوطني".

وحتى لو قرر حزب "المؤتمر الوطني" إبرام اتفاق مع "التحالف الوطني"، فإنه سيكون مرغماً على تقديم تنازلات لهذا الحزب الذي تعهّد في حملته الانتخابية "إنقاذ جنوب أفريقيا" عبر الخصخصة وإلغاء القيود التنظيمية.

ويمثل البيض في جنوب أفريقيا نحو 7 في المئة من السكان، لكنهم يحتفظون بنفوذ كبير في الأعمال التجارية، فضلاً عن نسبة هائلة من ثروة البلاد.

وإذا تعقدت إمكانات التحالف مع هذين الحزبين، يستطيع رامافوزا تجربة خيار مد اليد إلى أحزاب أصغر على غرار "المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية" اليساري الراديكالي بقيادة زعيم الشباب السابق في حزب "المؤتمر الوطني" يوليوس ماليما الذي فاز بنسبة 9.51 في المئة من الأصوات.

وفي هذه الحال، سيصطدم "المؤتمر الوطني" بمطالب هذا الحزب التي تدعو إلى إعادة توزيع أراضٍ على السود وتأميم القطاعات الاقتصادية الرئيسية.

ويمهل القانون الأحزاب أسبوعين فقط لعقد الجلسة الأولى للبرلمان، يصار بعدها إلى انتخاب رئيس للبرلمان ومن ثم الرئيس.

فهل يجد رامافوزا نفسه مضطراً إلى تأليف حكومة أقلية على أساس الاتفاق مع بعض الأحزاب على جوانب رئيسية مثل الموازنة أو الالتزام بعدم دعم أي اقتراح بحجب الثقة؟

وعلى عكس المشكلات الداخلية التي يواجهها الحزب الحاكم، فإنه استطاع على الصعيد الخارجي انتهاج سياسة تناهض القطب الواحد، وترجم ذلك في الانضمام إلى مجموعة "بريكس" التي تضم أيضاً الصين وروسيا والهند والبرازيل.

وفي امتداد لسياسة التحرر من الفصل العنصري، وجد رامافوزا نفسه إلى جانب القضية الفلسطينية، وتقاضي جنوب أفريقيا اليوم إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة.