لم يفوّت سعيد صباحاً واحداً على مدار سنتين كاملتين، يستيقظ خلاله مفعماً بالنشاط، يقف أمام المرآة، ويشرع في ترديد العبارة «أنا واثق بنفسي». لكن سعيد وبعد كل تلك المدة التي واظب فيها على جملته المفتاحية ما يزال يشعر بانعدام الثقة بالنفس، وبأنه ليس أهلاً للنجاح، فما المشكلة يا ترى؟

على امتداد عقود طويلة، عززت كثير من كتب التحفيز مفهوم التوكيدات الإيجابية ودورها في إحداث تغيير في شخصية الإنسان وحياته، فأخذ الناس يطبقون ما يقرؤونه في المؤلَّفات ويتعلمونه من خلال المحاضرات التي يلقيها بعض رواد التنمية الذاتية، من خلال تبنّي منهجية ترديد عبارات من شأنها – حسب ظنهم – مساعدتهم في التغلب على حالة نفسية أو مشكلة صحية أو تحقيق هدف ينشدونه.

البعض يريد المال، فيقرأ لمن ينصحه بترديد عبارة «أنا غني» كل يوم من غير أن يستثمر جهداً حقيقيّاً في حلمه ذاك، وآخر يريد خسارة الوزن ويعتقد أن كل ما عليه فعله هو نطق الجملة التالية عدة مرات يوميّاً «أتمتع بجسد رياضي» دون أن يكلف نفسه عناء ممارسة الرياضة والالتزام بنظام غذاء صحي.

وعلى هذا المنوال هناك أشخاص يتبعون هذا النهج حتى يومنا هذا، رغم الدلائل الدامغة التي تشير إلى فشل هذه الطريقة في إحداث أي تغيير مطلوب. ربما لأنك في كل مكان وزمان لا بد أن تجد من يتحرق شوقاً لشيء ما ولا يستطيع أن يصبر حتى يحقق مراده، فيقتنع أو يُقنع نفسه بأسهل الحلول وأبسطها، بدلاً من أن يخوض غمار المعركة.

ولا غرابة في ذلك، فالإنسان يميل بطبعه إلى الاسترخاء والتكاسل والابتعاد عن أي مصدر من مصادر الألم. والجهد المطلوب حتى تصبح ناجحاً وثريّاً أو تنقص وزنك ليس بالأمر اليسير بل يتطلب الكثير من العمل والصبر، وإلا لكان كل الناس أثرياء وبأجسام مثالية.

وبالتالي، لا يمكنك أن تجعل شخصاً خجولاً يثق بنفسه بمحاولة إقناعه أنه مميز أو بإخباره أن عليه ترديد بضع عبارات بسيطة. لكن بوسعك أن تنير له الطريق وترشده وتنصحه بالتدرب العملي التدريجي، إلى جانب التعلم المتواصل نمت ثقته بذاته كما تنمو البذرة بفضل العناية والاهتمام، لتصير شجرة باسقة غائرة الجذور وارفة الظل.

إذاً، فالثقة بالنفس ثمرة التعلم المستمر، والتطبيق العملي التدريجي، والاستعانة بأصحاب الخبرة والمقربين المحبّين، والكفاح المتواصل مع الصبر المستدام، لا نتاج ترديد توكيدات إيجابية كالببغاوات أو غير ذلك من نصائح تجارية لا تسمن ولا تغني من جوع.