شهدنا، وتابعنا كيف تُفتح الراحات، والصدور، والقصور الدولية على مصراعيها، في الشرق الأقصى، كما في الأدنى، حافلة بالاحترام والتقدير اللائق الرفيع لاستقبال القادة العرب، المضمّخين بالإيمان، والثقة بالمستقبل، والأخلاق، والمُثل، وفي طليعتهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي وصل يوم الثلاثاء، 29/5/2024 إلى سيؤول عاصمة كوريا الجنوبية، تلبية لدعوة الرئيس يون سوك يول.

جاءت الزيارة لتُعزّز، بالطبع، العلاقات الدبلوماسية، تلتها في اليوم التالي الزيارة التاريخية الاستثنائية إلى الصين الشعبية، تخليداً للذكرى الحيّة منذ 40 عاماً على تدشين العلاقات الدبلوماسية، وتوثيقها بين الصين والإمارات. بدأت تلك العلاقات الدبلوماسية الريادية عربيّاً في نوفمبر/ تشرين الثاني 1984، افتتحت الصين بعدها سفارتها في أبوظبي في إبريل/ نيسان 1985. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1988، أنشأت الصين القنصلية العامة في دبي، لتفتتح الإمارات سفارتها في بكين في 19 مارس/ آذار 1987.

نعم. شهدنا وتابعنا، ونشهد ونتابع رياح الاتجاه شرقاً في عصر الفضاء، بما جذب انتباهات الآذان، والعيون، والاهتمامات، العربية والعالمية، لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني، موشِّحاً تجديد المشاركة المعاصرة الحية برسم لملامح العلاقات العالمية، ودفعها شرقاً، يسكنه الطموح العاقل، والرزين، إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية الذي تبتغيه الشعوب، تحقيقاً للاستقرار والسلام في عالم تصونه الجرأة والحرية، في القول والفعل، لإعادة تأسيس، بل ترسيخ ملامح ما يمكن تسميته ب«عصر النهضة العربية الثانية»، أو «رسم ملامح النهضة المرتقبة»، في صورة، أو خريطة تجدّد العلاقات الدولية القادمة.

تذهب الإمارات ريادية شرقاً، وفي جيبها مفتاح باب آسيا، ونهج لافتٍ في حسن قراءة العصر، بما يكفل استمرار العلاقات القوية التي تربط البلدين، خصوصاً أنّ الحكومة الصينية دعمت دولة الإمارات للانضمام الى مجموعة «بريكس».

تبدو الإمارات قاعدة صلبة لمثلّث تتوسّع أضلاعه نحو انفتاح دول العالم، وشعوبها أجمعين، وفقاً لملامح هذا المستقبل الكوني الذي تتطلّع إليه البشرية في قرن الذكاء الاصطناعي الحاد. سيجعل هذا المثلّث الحضاري من الخليج واحات لقاءات، وزيارات، وتفاهمات دولية لا حدود لها، يعبّدها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وإليه يتطلع قادة من شباب هذا الوطن العربي، بصفتهم لا أبناء العولمة وأحفادها، وحسب، بل هم من أسيادها وقادتها الشبابية الإنسانية، يشقّون دروبهم بحكمة ويمتطون المستقبل نحو الجهات الأربع، بل الست، أعني الكرتين الأرضية والفضائية.

وهنا أقصوصتان:

1- عندما حالفني الحظ بمساعدة البروفيسور أندريه ميكال، أحد كبار المستشرقين في جامعة السوربون الذي أشرف على أطروحتي في «الحداثة العربية» في ال1975، كان الطلاب الفرنسيون يسألونني، بلهفة، عمّا يختزنه شرقنا من قيم ساحرة إليها يطمحون. كان جوابي واحداً: الشمس تبيت في جبالنا، وصحارينا، وأسرّتنا قبل أن ترونها لماماً في باريس. كان همّهم الطافح بالأسئلة زيارة الشرق، بينما الغرب يستلقي في الساحات وعلى الشواطئ إثر لحظة تبين خيوطها في الضباب.

2- تبدو لي دولة الإمارات أمامي قاعدة ذهبية، في الذهاب والإياب، بين الشرق، والغرب، والشمال، والجنوب، وأتذكّر قصّة طريفة رواها صديق زار البيت الأبيض في الولايات المتّحدة واشترى مجسّماً له، لكنه فوجئ جدّاً لدى عودته مساء إلى منزله، بعدما قلب المجسّم الصغير بين يديه، ليقرأ على قاعدته ملصقاً مذهّباً صغيراً وعليه: made in China أي «صنع في الصين».

دفعت، وتدفع بعض الشعوب ختاماً، ثرواتها وثقافاتها ثمناً لانهيار حدودها احتفاءً بزمن الفضاءات، بعدما كانت دفعت أعداداً هائلة من مواطنيها وثقافاتها وثرواتها بهدف رسم حدودها وضمان عدم التدخل في شؤونها الداخليّة، في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ولكننا نسأل في ضوء الاتجاه شرقاً: من قال إنّ فضّ الحروب والكوارث والنزاعات تستأهل، تاريخيّاً، أكثر من محرمة، أو بسمة، أو كلمة طيبة، أو تواضع حكام، ورؤساء، وقادة سياسيين يؤمنون بالإنسان، وأكثرهم يقضمون ربّما أصابعهم ندماً بصمت ويعتذرون جهراً للمواطنين في قهرهم خسائرهم؟

أطرح هذه الأسئلة للتفكير والتجديد على اعتبار أنّ التجديد الذي نحن بصدده إماراتياً، هو الجديد الذي يتجاوز الإضافة إلى القديم، وأتصوّر أنّ الأفكار والنظريات والعقائد والأديان، لعبت، وتلعب دورها سلباً و«إيجاباً»، وعلى مدى العصور، في ترابط متين مع التلاقي والتعارف والتبادل في أساليب العيش والحضارة التي تذوب في خليطٍ عالمي من الثقافات التي تتحوّل، ونحن في صلبها، إلى معرض ثقافات عالمية هائلة، لكلّ فرد فيها شخصية، وحضور، وأمور ستشغل الأزمنة الآتية، والشعوب، في ملعب واحد اسمه الأرض التابعة للفضاء، أعني العالم الرابع بعد زوال العوالم الثلاثة.

تنقشع الظلمات في العلاقات الدولية في ما نحن بصدده، وتنكشف مواقع الجماعات والشعوب بين من هو مسترخٍ على ضفاف الأرض، ومن يسابق الشمس التي باتت لا تغرب بالمعنى التواصلي والابتكاري، في الأرض، كما في الفضاء.