سوف تبقى خطه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لإنهاء الحرب في غزة محل اهتمام وتحليل للدوافع وراء إعلانها من الجهات المهتمة بالسياسات الخارجية لرؤساء أمريكا، والبحث عن الدوافع غير المعلنة وراء تغيير بايدن موقفه من تعويق مساعي وقف إطلاق النار، باستخدامه «الفيتو» في مجلس الأمن، ثم إعلانه المفاجئ عن خطته لوقف الحرب، وفوراً، وهي الخطة التي لقيت ترحيباً جماعياً من دولنا العربية، ومن أوروبا، والأمم المتحدة.
كان هناك تركيز على الدوافع غير المعلنة عن تغيير موقفه، وإن كان المتفق عليه بين خبراء السياسة الأمريكية، أن هناك عنصرين رئيسيين يمثلان دافعاً رئيسياً وقوياً وراء موقف أي رئيس أمريكي من الانحياز لإسرائيل، أولهما التمويل للحملة الانتخابية للرئيس، وقوه الضغط اليهودي لمنظمة الإيباك، والتي ترصد ملايين الدولارات للمرشح مقابل انحيازه المطلق لإسرائيل.
وتلك حقيقة مسلّم، بها وسبق أن شرحها الرئيس السابق جيمي كارتر، في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» وقال: «إن من يملك من التمويل أكثر من غيره من المرشحين هو الذي يدخل البيت الأبيض».
كما شرحتها المرشحة للرئاسة عن الحزب الجمهوري، إليزابيث دول، في تسعينات القرن الماضي، بعد انسحابها المفاجئ من السباق الانتخابي، وقالت: «إن من ينافسونها لديهم وفرة من التمويل ليست متاحة لها، ثم إن الأكثر تمويلاً هو من يفوز بالرئاسة»، وسبق أن أذاع مركز بحوث بروكينجز أن من الرؤساء من كان أثناء ترشحه رافضاً لسياسة إسرائيل، أما حين وجد أن مصادر تمويل حملته ليست كافيه للفوز فإنه غيّر من سياسته.
والآن أضيف عنصر جديد إلى حسابات الرؤساء في تقييم فرصهم في السباق الانتخابي لم يكن له دور من قبل، فبعد أن كانت أغلبية الرأي العام مؤيده كلية لإسرائيل في نزاعها مع العرب، بتأثير ضغوط الدعاية اليهودية للصهيونية المكثفة، فإن الانتفاضة الجماعية للرأي العام الأمريكي، بخاصة في الجامعات، واستقالات مسؤولين كبار في إدارة بايدن، رفضاً لتحيزه إلى إسرائيل في غزة، وانضمام قوة يهودية أمريكية إلى كل هؤلاء، فان ذلك وضع إدارة بايدن في مأزق تاريخي في وقت الإعداد لانتخابات وشيكة للرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، التي توحي المؤشرات بأن بايدن سوف يخسرها.
أمام هذه الحسابات علّقت شبكه تلفزيون «بي بي سي» بأن ذلك كان من دوافع بايدن لإعلان اقتراحه بإنهاء الحرب، في خطابه بالبيت الأبيض، وقوله إن المرحلة الأولى من خطته تشمل وقف إطلاق النار كاملاً وتاماً، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق السكانية، وتبادل الرهائن الإسرائيليين مقابل سجناء فلسطينيين.
ويشرح مسؤولون أمريكيون ظروف إعلان اقتراح بايدن بقولهم: إنه جاء بعد دبلوماسيه مكثفه قام بها الفريق المعاون له في البيت الأبيض فى ظروف تواجه فيها حكومته رفضاً شاملاً لسياسته من معارضيه في حزبه، بينما الانتخابات الرئاسية على الأبواب.
وأضافت إلى ذلك صحيفة «نيويورك تايمز»، أن البيت الأبيض أصبح في مواجهة اتهامات قاسية، لمسؤولين عن ارتفاع أعداد القتلى في غزة إلى 36 ألفاً، وأن كثيراً من الأمريكيين في حالة غضب من طريقه تعامله مع النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
وضمن التفسيرات التي توالت مؤخراً، القول بأن اقتراح بايدن يمثل خريطة طريق شاملة لوقف دائم لإطلاق النار، بعد أن ظل نتنياهو طوال الشهور الماضية يرفض كل ما يطلبه منه بايدن، ما أشار إليه بايدن بقوله: «أعرف أن في إسرائيل من لا يوافقون على هذه الخطة، وسوف يحاولون إطلاق الحرب إلى أمد غير معلوم»، وهو ما تحدث عنه نيك سيفرين، الخبير العسكري الأمريكي، بأن مساعدي بايدن في حالة قلق من عدم وجود نية، أو خطة لدى نتنياهو لإنهاء الحرب، بحماقة متناهية، ولهذا حرص بايدن على توجيه خطاب إلى الشعب الإسرائيلي قال فيه: «ليس في استطاعتنا أن نضيع هذه اللحظة».
بينما يرى عدد من المحللين أن عدم استجابة نتنياهو لمطالب بايدن، خلقت انطباعاً لدى بعض مساعديه، بأنه يهدف بذلك إلى توفير ظروف لسقوط بايدن في الانتخابات القادمة، وربما كان مما شجع بايدن على إعلان خطته وجود ردود أفعال إسرائيلية من البعض ليست متوافقة مع حسابات نتنياهو، وهو ما تحدث عنه الدكتور ايبرون ليمان، نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، من أننا في موقف لا يمكن أن يستمر لأكثر من ذلك، ولابد من حل هذه المشكلة قبل أن تفتح أمامنا جبهة أخرى، إضافة إلى قلق متزايد لدى بعض الإسرائيليين من أن إسرائيل لا تستطيع الاستغناء عن الدعم العسكري الأمريكي، الذي يمثل قاعدة أساسية لأمنها القومي منذ قيام الدولة اليهودية وحتى الآن.
التعليقات