الكلمات التي جاءت في عنوان المقال هي ضمن تصريحات لسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، أدلى بها في اجتماع لمجموعة دول «بريكس» في مدينة نيغني نوفغورود الروسية، حيث قال سموه: «إن مشاركة دولة الإمارات في المجموعة تعكس استراتيجيتها المرتكزة على بناء جسور التعاون الاقتصادي، والارتقاء فوق الاختلافات، والتحديات، بمختلف أشكالها».

من حيث الشكل، تبدو وكأنها كلمات بسيطة فيما تحمله من معنى، خاصة وأنها جاءت في تفاصيل داخلية من التصريح، ولكن عند قراءتها بشيء من التعمق وتحليل مضمونها ومن ثم إسقاطها على الواقع السياسي العربي، فإن تلك الكلمات يمكن أن تستوقفك، كما فعلت معي. فأنا أجدها معبرة بشكل عميق عن جانبين مهمّين.

الجانب الأول: تحولات الدبلوماسية الإماراتية خلال الفترة الماضية من خلال التقارب مع دول المنطقة ومن ثم دول العالم، حتى إن المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة الدكتور أنور قرقاش وصفها بدبلوماسية «صفر مشاكل».

أما الجانب الآخر من تلك الكلمات فيمكن قياسه بكيفية تأثير سياسة عدم الارتقاء فوق الاختلافات على العمل العربي على المستويين الداخلي والإقليمي، حيث كثيراً ما تتسبب في تجميد العمل العربي المشترك وأحياناً «تشل» العمل السياسي إذا كانت تلك الاختلافات تحدث داخل الدولة الواحدة. والأمر لا يحتاج إلى أمثلة لبرهنتها أو توضيحها، فيكفي فقط أن تتذكر مراحل تاريخية مرت على العمل العربي، كما يكفي أن تتابع ما يحدث الآن في إقليمنا العربي لتخرج بأمثلة حية.

دبلوماسية الارتقاء فوق الاختلافات تخلق للدولة تميزاً في مكانتها عالمياً، وربما هذا الحاصل مع دولة الإمارات، كما تعمل على تقوية العلاقات التعاونية مع شركائها في العالم، هذا غير أنها تعطي قدرة للدولة على التأثير فيما يخدم علاقاتها مع الآخرين من أجل صياغة رؤيتها للعالم كما حددتها المبادئ العشرة لرؤية الإمارات للخمسين عاماً المقبلة التي دشنت في العام 2019.

لقد ظهرت الإمارات في أكثر من محور إنساني-عالمي وبأشكال مختلفة بعضها سياسي وبعضها اقتصادي، بأنها ممثل الخطاب السياسي القادم من منطقة الشرق الأوسط.

وما زاد في تركيز العالم على هذا الخطاب أو التوجه الجديد أن هذا الخطاب بدأ ينتقل أو يتم استنساخه من دول أخرى في المنطقة بطريقة أصبحت معها «حالة» لمنطقة الشرق الأوسط عموماً.

فاليوم يكاد إقليم الشرق الأوسط، وبخاصة العربي، هو الإقليم الأكثر نشاطاً وفعالية في الانفتاح الدبلوماسي وفي تبني مبادرات إنسانية وتنموية.

ومن التغيرات الجديدة في دبلوماسيات المنطقة العربية التي جاءت على خلفية «الارتقاء فوق الاختلافات» أن الاحتياجات الوطنية ثم الإنسانية باتت المحرك للسياسة الخارجية بدلاً من الأيديولوجيات التي عانت العديد منها الدول العربية.

فما نحتاجه عربياً هو القدرة على إدارة خلافاتنا، وأن نرتقي عليها بطريقة لا تؤدي إلى تخريب وتدمير الأعمال المشتركة وتحافظ على أوطاننا.

الأمر ليس تنظيراً، بل هناك الكثير من الأمثلة أبرزها ما يحدث على مستوى العلاقات الدولية، هنا التنافس بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، حيث حالة التنافس بينهما سواء في المجال الجيوسياسي في منطقة بحر الصين الجنوبي، أو الحرب التجارية وغيرها من الخلافات على النفوذ، ورغم كل ذلك إلا أن هناك مشاورات مشتركة واتفاقيات، وقس على ذلك الخلافات الداخلية في دولة مثل إسرائيل.

يرتبط العمل الدبلوماسي الدولي بالاختلافات وأحياناً بالخلافات، هكذا تقول كل نظريات العلاقات الدولية. ومن الصعب إن لم يكن مستحيلاً أن تجد علاقة سياسية تخلو من الاختلافات إلا إذا كان الحديث يدور حول «جمهورية أفلاطون الفاضلة» التي كان يحلم بها إلى أن جاء صاحب المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية ميكافيلي الذي أثبت أن العمل السياسي بعيد عن المثاليات.