دانت محكمة التمييز في الكويت الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة)؛ لعدم توفيرها الحماية القانونية والشخصية اللازمة لمواطنة قدمت بلاغاً ضد مسؤولين سابقين، وألزمت المحكمةُ الهيئةَ بتعويض المواطنة 5001 دينار على سبيل التعويض المؤقت. وقالت المحكمة بحسب الجريدة إن «(نزاهة) مكلفة بحكم القانون بتوفير الحماية الجنائية والمدنية للمواطنة، إلا أنها قصرت في أداء مسؤوليتها ولم تقم بالدور الكافي» لحمايتها.
بغض النظر عن الجدل الذي نشأ من رد «نزاهة» على الجريدة التي نشرت الخبر، ثم أكدت الهيئة أنها وفرت حماية للمواطنة، يبقى الفعل الذي يستدعي الاهتمام هو أن من «أطلقت الصافرة» قد حذرت من وجود مخالفات إدارية ومالية، غير أن «نزاهة» قد حفظت الطلب بعد تحقيقات النيابة العامة بعدم صحة ذلك. إلا أن الموظفة أسقط في يدها بعد تعرضها لأضرار مادية، واتجاه الخصوم لرفع دعاوى ضدها.
يُلزم القانون «نزاهة» بحماية أي مُبَلّغ عن فساد ليس بتوفير حراسة شخصية له فحسب، بل حتى تأمين محل إقامة جديد إذا كان يُخشى عليه من الأذى. والأهم حمايته من اتخاذ أي إجراء إداري ضده يمنع عنه راتبه ومزاياه. ما جرى في الكويت يحدث في العالم، ويُعرف في أدبيات الإدارة بنافخ الصافرة Whistleblower وهو كل شخص يُبَلّغ عن تجاوز قانوني أو لائحي ضد أفراد أو جهات.
مشكلة الفساد عالمياً أن لا أحد يريد «نكش» عش الدبابير خصوصاً إذا لم «يتمترس» خلف سلطة تحميه. ولذلك تحمي القوانين المُبلِّغ على غرار حَكَم المباراة الذي يُحاط بسياج من العناصر الأمنية في المباريات الكروية «الضارية» ما إن يطلق صافرته.
من أشهر حوادث إطلاق الصافرات Whistleblowing ما فعله الصحافي المخضرم وودورد من «واشنطن بوست»، عندما كشف النقاب عن طريق (الحنجرة العميقة) عن أشهر قضية تجسس استقال على إثرها الرئيس نيكسون، بعد اتهام أشخاص تجسسوا على مكالمات الحزب (المنافس).
المفارقة أن مسحاً أُجري في بريطانيا نشرته «رويترز» أظهر أن 41% من الناس يرون أن إطلاق صافرة تجاوز القوانين هو مهمة تقارير المدقق الداخلي وليس مهمتهم، ويراقبهم جميعاً مدقق «خارجي» مستقل. ولهذا يظهر تقرير نشرته شركة قانونية «سيف كول» أن 80% لا يجازفون بالإبلاغ عن التجاوزات خشية تداعياتها القانونية، ويخاف نحو نصفهم (45%) من أن يسيء ذلك إلى سمعتهم! ولذلك يخلص التقرير إلى أن الجهود المستقلة الخارجية أفضل من يكشف سوءة الفساد.
تتفاوت قضايا الفساد بين كبرى وصغرى، مثل موظف يبلغ عن مدير يختلس أموال الشركة، وممرضة تبلغ عن طبيب يتجاهل معايير السلامة الصحية، وموظف حكومي يبلغ عن زميل يتلقى رشاوى أو يعاملهم بعنصرية.
الفساد تخنقه الرقابة وتؤذيه الشفافية؛ لأنهما تكشفان خيوط الجريمة في مراحل مبكرة. مشكلة كثير من البلدان ليست في النصوص ولكن بمدى جدية «الاستمرار» بتطبيق القانون لحماية من يدخل «عش الدبابير»، أو يستمرئ سوء استغلال سلطته.
التعليقات