مرت الأمة العربية من منتصف العقد الماضي وحتى اليوم بالعديد من الأزمات والتحديات، إلا أن أوضاع كل دولة مختلفة عن الأخرى، فهناك دول انطلقت نحو تحقيق الحياة الكريمة لشعوبها وركزت على بناء الإنسان، ووفرت له كل المتطلبات والاحتياجات، من خلال برامج ومشروعات تنموية شاملة من التعليم والصحة والبنية التحتية وغيرها من المجالات، حتى أصبحت هذه الدول في المراكز المتقدمة الأولى على مستوى العالم، وسأذكر مثلاً على ذلك.

في المقابل، كانت هناك دول عربية تعتبر متقدمة ومتميزة في تلك الفترة (فترة ما قبل الأيدولوجيا)، حتى ابتليت بالأفكار والأيدولوجيات والشعارات الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وما هي إلا أيدولوجيات بأفكار معادية للتنمية وللدول والمجتمعات، وهذا ليس كلامي أو رأيي بل الواقع والنتائج هي ما يثبت ذلك، وما زالت تلك الدول تعاني مما جلبته تلك الأيدولوجيا المنغلقة على أحلامها المتسترة على فشلها بالشعارات والهتافات.

وسأبتعد قليلاً عن الدول العربية الأيدولوجية حتى لا يتحسس البعض، وسأطرح السؤال التالي: لماذا تتقدم الدول غير الأيدولوجية (الدول التنموية) وتفشل الدول الأيدولوجية؟، الإجابة هي أن الدول والحكومات (التنموية) تركز على التنمية الشاملة من خلال وضعها لسياسات واستراتيجيات وخطط وبرامج ومشروعات تنموية شاملة ضمن رؤية بعيدة المدى.

ولو رجعنا للدراسات والإحصائيات والأرقام، فسنجد أن الدول ذات الفكر التنموي تحقق معدلات نمو اقتصادي أعلى مقارنة بالدول ذات التوجهات الأيديولوجية.

فعلى سبيل المثال، حققت دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، نمواً اقتصادياً بمستويات عالية لأنها ركزت على التنمية.

أما إذا نظرنا إلى الدول والحكومات الأيديولوجية فسنجد أنها تقدم مصالح النظام الأيديولوجي على مصالح الشعب التنموية واحتياجاته الاجتماعية والمصالح الاقتصادية.

كما أن الأنظمة الأيديولوجية غالباً ما تكون منغلقة ومتشددة معيقة للتطور والنمو، بل حتى تكون هي سبب فناء وانهيار النظام والدولة.

والأمثلة كثيرة هنا، كانهيار العملاق الاتحاد السوفييتي ذي التوجه الأيديولوجي الشيوعي، حيث أدت السياسات والتوجهات الشيوعية إلى تدهور وانهيار اقتصادي أدى إلى انهيار الدولة، وكذلك كوريا الشمالية وما تعانيه من أزمات اقتصادية وانخفاض مؤشرات التنمية.

وخير مثال للدول العربية التنموية على المستوى العالمي دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تثبت الأرقام والإحصائيات نجاحها، حيث حققت أرقاماً قياسية في مؤشرات التنمية وتقارير التنافسية الدولية، وقد تحققت هذه الإنجازات بناء على استراتيجية التنمية الشاملة التي تنتهجها الحكومة الإماراتية، حيث حققت دولة الإمارات المركز 17 عالمياً من بين 193 دولة شملها تقرير مؤشر التنمية البشرية 2023 / 2024، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، متقدمة على دول مثل كندا، والولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، كما حلت في المركز 33 عالمياً في استطلاع صادر عن مجلة «يو إس نيوز» الأمريكية في مؤشر أكثر البلاد التي يرغب الناس في العيش والإقامة والعمل بها، وذلك لما تتميز به من جودة الحياة.

كذلك في مؤشرات الأمن والاستقرار تربعت أبوظبي للعام الثامن على التوالي، على المركز الأول ضمن قائمة المدن الأكثر أماناً في عام 2024 على مستوى العالم وفق مؤشر «أمن المدن» الصادر عن موقع نومبيو، كما أنها مستمرة في ترسيخ مكانتها كمركز تجاري استراتيجي، وهي تتصدر المراكز الأولى في عدد من المؤشرات العالمية الخاصة بقطاع الخدمات مثل مؤشرات الاشتراك في الهواتف الخلوية، ونسبة السكان الذين يحصلون على الطاقة الكهربائية، هذه مجرد أمثلة والأدلة كثيرة.

وحتى لا يأتي من يقول إن التنمية في دول الخليج العربي جاءت بسبب النفط فقط، نقول إن النفط هو من الأدوات والموارد التي استخدمت في البناء والتطوير لتحقيق التنمية الشاملة، وإلا فإن هناك دولاً في محيطنا العربي والإقليمي لديها أضعاف ما تملكه بعض دول الخليج العربي من الموارد النفطية والطبيعية، إلا أن الفارق الحقيقي هو القيادة السياسية.

لم تتجه الدول التنموية وعلى رأسها دول الخليج العربي إلى تأسيس ميليشيات أيدولوجية تنشرها في دول أخرى بهدف السيطرة عليها أو لتنقلب على أنظمتها السياسية أو لتنشر أفكارها الأيدولوجية أو العقدية، بل قامت القيادات السياسية الحاكمة في دول الخليج العربي بسن القوانين وإصدار التشريعات والاستراتيجيات التنموية حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم، قيادات أمينة مخلصة محبة لأوطانها وشعوبها، هنا الفرق بين القائد التنموي والقائد الأيديولوجي.