مشاعرنا تجاه كل ما حولنا، وأفكارنا التي تتكون في داخلنا تدريجياً، سلوكنا العام وتعاملاتنا مع المحيطين بنا ومع الآخرين، الطريقة التي نعبر بها عن أنفسنا ونفصح بها عن ماهيتنا، كل هذه الأساسيات المبدئية في شخصية أي إنسان منا لا نتعلمها أو نكتسبها من الفراغ، هذه الأسس تغرسها الأسرة والعائلة ونمط التربية وثقافة المجتمع الذي نتربى بين أهله، ومن ثم تكبر معنا يوماً بعد يوم، وسنة في إثر أخرى، حتى تتحول إلى هوية خاصة تميزنا.

إن نظام الأخلاق والقيم واللغة والعواطف كلها نتاج لما تلقيناه في أسرنا، وعلى أيدي آبائنا، ومن ثم دوائر التربية والتأثير الأخرى التي تكمل أدوار البيت، كمجموعات الأصدقاء والمدرسة والمناهج ووسائل الإعلام... إلخ، من هنا يصعب تقبل فكرة أن الإنسان كائن عالمي يمكنه أن يعيش ويتفاعل بنفس المعايير والمشاعر مع أي إنسان في أي مكان، طالما وجد أناساً يشاركونه بعض الأفكار الأيديولوجية، دون الحاجة لوجوده في وطنه أو بين عائلته وجماعته!

مما لا شك فيه فإن الإنسان يخضع في بعض الأحوال لظروف تبعده عن أهله ووطنه لأسباب عديدة لا يمكنه سوى قبولها، وبما أنه كائن عاقل ولديه الكثير من الملكات والمواهب فإنه وبمساعدة من حوله، يعمل ما في وسعه ليكيف نفسه حتى يتمكن من العيش في الواقع الجديد بأقل ما يمكن من مكابدة وألم، إن هذه القدرة على التكيف واحد من مكتسبات التربية بلا شك!

لقد حاولت بعض الجماعات الدينية والأيديولوجيات المختلفة أن تقنع الناس طويلاً بأن الانتماء والوطنية والهوية القومية والأسرة والعائلة وغيرها من الروابط ما هي إلا قيود وهمية، وأنه لا الأوطان مهمة، ولا اللغة ولا الأرض في مقابل الأيديولوجيا، وهي فكرة أثبت الواقع فشلها الكامل، حيث إن اللغة ليست مجرد أداة تواصل، إنها نظام حياة ومشاعر وتفكير، كما أن الوطن ليس مجرد قطعة أرض، والانتماء والهوية لا يتأسسان بين ليلة وضحاها.. إنك في أبسط ممارساتك لا يمكنك أن تكون على حقيقتك وكما تحب إلا وسط جماعتك وأهلك ومن يشبهك.. ذلكم هو الإنسان، كذلك نحن جميعنا.