ضمن فعاليات معرض برشلونة الدولي عام 1929م، بُنيت قرية كاملة مستلهمة من مناطق مملكة إسبانيا المختلفة، لتكون متحفاً مفتوحاً معبراً عن التنوع الاجتماعي والموروث الثقافي، وكان يفترض أن تُهدم عقب نهاية المعرض، لكن نجاحها لم يبقها على قيد الحياة فقط؛ بل أضحت إحدى أهم نقاط الجذب السياحي لمدينة برشلونة!
تكوّنت القرية من 117 مبنى نُسخت من مناطق متعددة في شبه الجزيرة الإيبيرية، وجُمعت لتكون مدينة مصغرة، أعادت خلق الأجواء الفولكلورية والحضرية الإسبانية، واحتوت على العديد من المسارح والمطاعم والمقاهي وورش عمل الحرفية والمتاحف.
روّج الفكرة المهندس المعماري الكتالوني «جوزيب كادافالك»، ثم عُهد بالتنفيذ لمعماريين ورسامين من أبناء مقاطعة كتالونيا، ليقوم هؤلاء الخبراء الأربعة بزيارة ومراجعة 600 ألف موقع، لجمع العينات والرسومات، حتى يتمكنوا من تخطيط قرية تمثّل التنوع الرائع في إسبانيا، وهو ما لاحظته في زيارتي للقرية الرمزية، التي قضيت فيها أربع ساعات غنية بالثقافة والأدب، ولذيذة بالأطباق والمشروبات الشعبية والشهية، وهو ما ذكرني بقرية «إزمايلوفسكي» شمال شرق موسكو، التي حينما زرتها وكأنما تجولت في الأقاليم الروسية كلها!
نحن في المملكة لدينا تجربة شبه مماثلة في مهرجان الجنادرية، الذي تحوّل من مجرد سباق هجن تقليدي، إلى مهرجان ثقافي تُشد له الرحال، ومع مرور الوقت تشكلت مواقع تمثل أمارات مناطق المملكة، تدب فيها الحياة خلال أيام المهرجان، تجذب الجماهير بما تقدمه من سرد تاريخي، وعروض فلكلورية، وأطعمة وأطباق شعبية، وحرف يدوية، ولعل الكثيرين يتذكرون نجاحات أجنحة منطقة المدينة المنورة والقصيم، إذ كان الجناحان متميزين في تقديم تجربة زائر رائعة، بداية من تصميم الجناح، مروراً بالعروض الفلكلورية المجدولة، ومتاجر الأطعمة الشعبية، وانتهاء بمنتجات الحرفيين المهرة من أبناء المنطقتين.
لك أن تتخيل أن تعاد الحياة لقرية الجنادرية من جديد، ولكن بصورة عصرية عبر موسم الرياض، ولعلي أرفع مقترحاً لهيئة الترفيه باستكمال نجاح تجربة البوليفارد، بإنشاء بوليفارد ثالث بعنوان «القرية السعودية»، يُصمم على شكل خريطة المملكة، ويتكون من مبانٍ ومتاجر ومعارض فنية، ضمن أزقة مبنيّة على الطرز المعمارية المختلفة للمناطق السعودية، وأن يحتوي على مطاعم تقدم الأطباق الشعبية، بشكلها التقليدي وبالأساليب المعاصرة، ناهيك عن متاجر الحرف اليدوية، والألعاب الرياضية والإلكترونية وغيرها المقتبسة من بيئتنا المحلية، وأن يتوسطها مسرح مفتوح، يُخصص للحفلات والعروض المسرحية المتوسطة، وأن يكون محاطاً بالمطاعم والمقاهي الشعبية، تُمكن روادها من مشاهدة العروض الحية، كما شاهدت في منتصف القرية الإسبانية.
حتماً سوف تمسي «القرية السعودية» مقصد المواطنين قبل السياح الأجانب، نظراً للنجاح السابق لقرية الجنادرية، فما بالك حينما تضاف عليها لمسات مُبدعي هيئة الترفيه!؟
التعليقات